مع الأمل بعودة الثقة للذات الليبية الجمعية بأنها لاتزال قادرة على التصالح مع نفسها وصنع السام المجتمعي والاستقرار؛ بل والذهاب إلى أبعد من ذلك وهو بناء دولة عصرية بمواصفات ليبية كما يريدها الليبيون ، واضعن أمامهم تجربة سنوات من الصراع الداخلي والفوضى الشاملة التي أفقدتنا الكثير من مكتسباتنا الوطنية (رمزية ومادية) ووضعت الجيل بأكمله أمام مسؤولية تاريخية في الحفاظ على هويتنا وبناء شخصية وطنية معاصرة وقادرة على الانخراط في محيطها العالمي بفاعلية .. على الجميع أن يجلس ليس من أجل بناء الدولة سياسيا وإداريا فقط، بل أيضا لترميم ما أمكن من شروخ المرحلة وندوبها خاصة مع تزايد وتيرة وحراك الغزو الناعم للحضارة الغربية التي استغلت الفراغ الشامل في بلادنا ومضت تكتسح الكثير من حصوننا وصارت تنهش في جسد الثقافة الوطنية و التي بدأ التآكل يطال بعض أطرافها للأسف، وستجهز على البقية إذا ما ظللنا مكتوفي الأيدي نشاهد ما يحدث لهويتنا وثقافتنا الليبية من انساخ واستيلاب و ذوبان تدريجي في الثقافات الوافدة، وخسران متواصل للعديد من قيم مجتمعنا مع اتساع متزايد للهوة بن الجيل الحالي وبن الأجيال السابقة .. ويظهر كل ذلك ويبرز فيما بتنا نشاهده من ظواهر ومظاهر دخيلة وسلوكيات غريبة لا تنسجم مع ثقافتنا وعاداتنا وأعرافنا إضافة إلى فقداننا لعديد الخصائص الاجتماعية والحضارية التي كانت ولوقت قريب تميز مجتمعنا وتمنحه خصوصيته الوطنية العربية الإسامية . وللأسف فلقد كانت لغتنا العربية إحدى ضحايا هذه المرحلة لغتنا العربية الجميلة التي صمدت ولمئات السنين أمام كل المحاولات الاستعمارية التي سعت لطمسها وإضعافها رغم محدودية التعليم وندرة المؤسسات والمراكز العلمية والتعليمية آنذاك؛ استطاعت العربية أن تتغلب على كل محاولات المستعمر الايطالي التي هدفت وبكل السبل إلى “طلينة” المجتمع الليبي وفرض اللغة الإيطالية ووجدت جميعها مقاطعة شعبية شاملة ورفضا قطعياً لها كما وجدها من سبق الطليان من مستعمرين وغزاة. نجدها اليوم وقد باتت تذبح وتشوه أمام أعيننا وعلى مسامعنا ،بل نراها تستبعد من واجهات محالنا التجارية ومراكزنا الصحية ومقاهينا ومن العديد من المرافق الخدمية العامة والخاصة التي صارت تتسابق في اختيار التسميات والعناوين الأجنبية، والأنكى من ذلك استخدام الحروف اللاتينية لكتابة الجمل والأسماء العربية فصارت شوارعنا خليطا مشينا من الأسماء والعبارات الغريبة والمشوهة. وندعو هنا جميع المؤسسات الثقافية والجهات المعنية أن تقوم بأدوارها وأن تعي حجم المسؤولية تجاه لغتنا وثقافتنا الوطنية وهويتنا، وتعمل جادة وبخطط هادفة وعاجلة على تحصن مجتمعنا حفاظاً على أغلى ما نملك .
■ الفيتوري الصادق