الصراع على الموارد بن أطراف محلية متعددة بعضها مدعوم من الخارج، والوصول إلى السلطة والتحكم في رقاب الناس هما في صلب المأساة الليبية واستمرارها كل هذه السنوات، فثروات هذا البلد التي جعلته مطمعاً لقوى خارجية وهدفاً لدول استعمارية على مدى عقود هي ذاتها التي جعلت المتصارعن على السلطة محلياً يتشبثون بكل قوة وإصرار على التمسك بالبقاء في المشهد العام وتحويل الوطن إلى غنيمة يتسابقون عليها وجائزة يتنافسون من أجل الظفر بها والاستحواذ عليها. في بلد تغيب فيه المحاسبة وتتلاشى الحوكمة وتضعف الرقابة على المال العام؛ يتحول المنصب في غالب الأحيان إلى وسيلة للثراء وأداة للتربح وطريقاً إلى خزائن الدولة وثروتها. ومنذ نصف قرن تقريباً سئل الكاتب الإيرلندي الساخر “برنارد شو” عن أيهما أهم وأفضل المال أم السلطة؟ فأجاب بأن أيّاً منهما يأتي بالآخر !. بمعنى أن صاحب السلطة يتمكن عن طريق الفساد واستغلال المنصب أن يجمع الثروة التي يريدها، كما أن من لديه المال يستطيع شراء ذمم أصحاب المناصب وتوجيهها وبالتالي تحريكهم كيفما شاء وأينما أراد . وحتى في الدول المشهود لها بالديمقراطية والشفافية يبقى المال عام اً مهماً في عالم السياسة ووسيلة فاعلة في العملية الانتخابية والوصول إلى كرسي السلطة ومقر الحكم، والرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترمب” ليس ببعيد عن الصورة ولا غائباً عما نقصده أو نتحدث فيه. بل إن الملياردير المتعدد الجنسيات “ايلون ماسك” أضحى الآن أحد أقوى المؤثرين في إدارة ترمب وتوجيه بوصلتها بفضل ثروته الهائلة التى سخّر جزءاً منها لخدمة أهدافه السياسية وطموحاته السلطوية. الخطير في الأمر أن معظم المتصارعن على السلطة عندنا يغلفون أهدافهم الحقيقية نحو الحكم والثروة بخطاب وطني شعبوي أو شعار ديني عقائدي يحاولون من خلاله كسب قلوب العامة والسيطرة على عقولها ومن ثم الركوب على أكتافها وربما رقابها للوصول إلى مبتغاها من السلطة والثروة. من هنا ينبغي علينا ألا تخدعنا هذه الخطابات ولا تغرينا تلك الشعارات وأن نتفحص ملياً ما يروجه الساسة بيننا وما يحاولون تمريره من مشاريع ومخططات هدفها الأساسي هو الوصول إلى السلطة وغايتها الحقيقية الإمساك بمفتاح الثروة والتحكم فيها . ما لم ننظر إلى ثروات الوطن على أنها ملك لكل مواطنيه، وندرك أن المنصب هو مجرد مهمة مؤقتة لتأدية واجب محدد أو وظيفة معينة، فلن تقوم لنا قائمة، ولن نصل إلى نهاية النفق والخروج منه لأننا – ببساطة– نركض في الاتجاه الخطأ.
■ خالد الديب