مقالات

الدراما … ترفيه ورسالة

بقدر ما تعتبر الدراما وسيلة للترفيه فإنها تعتبر كذلك أحدى أدوات القوة الناعمة التي تنطوي على رسالة تعبر عنها من خلال المسلسلات التلفزيونية والأفلام وعروض المسرح لما تثيره في نفس المتلقي من تأثير بالغ عبر تعزيز التفاعل بين أفراد المجتمع وتجذر فيهم فهما مشتركا للقضايا التي يحملها مضمون المسلسل أو الفيلم أو المسرحية والتي يفترض إنها تهدف إلى تقوية اللحمة الاجتماعية بانحيازها لقضايا المجتمع وهمومه وتطلعاته …. الدراما أداة تعبير لها تأثير عميق على نفس الفرد وكذلك على المجتمع بكامله عبر ما تحمله من مضامين اجتماعية وفكرية وترفيهية ومن منطلق ذلك فإنها تشهد إقبالا جماهيريا على مشاهدتها ومتابعة حلقاتها ونتيجة لذلك فإن الدراما بهذا الوضع تخلق حوارا مجتمعيا حول القصة أو حبكتها أو بتأثير شخوصها التي تجسد مضمونا توعويا يثير حوارا مجتمعيا يؤدي في النهاية إلى اتساع وعي الناس وتوحيد أفكارهم ..وإذا بحثنا عن تعريف للدراما فأننا نجده في موسوعة ويكيبيديا على النحو التالي .. (الدراما أدب عن قصص المفارقات أو التعبير الدرامي التي تكون فيه المقدمات تخالف النهايات ويحار المشاهد لشخوص الرواية وأداء الممثلين ويتوقع المشهد التالي في السياق وتسلسل الرواية أو الحكاية فتحدث المفارقة وتنقض التوقعات..) ورغم تعدد تعريفات الدراما فإن أبسط تعريف لها هو ( الدراما شكل من أشكال الأداء الذي ينطوي على الصراعات والعواطف وتصوير التجارب الانسانية من خلال الحوار والفعل وعادة ما تقدم قصة أو موقفا يثير مشاعر الجمهور ويثير مشاعر مكثفة مثل التوتر أو الإثارة أو التعاطف ..) ولتأكيد تفاعل المشاهد مع تلك الشحنات النفسية التي تفجرها الدراما بداخلنا التي تصل إلى درجة التوتر وخلق حالة من التعاطف الذي يوضع في غير محله أحيانا فإنني أقول عندما كنا أطفالا وعندما كانت تتاح لنا فرصة الذهاب إلى السينما لشاهدة أفلام رعاة البقر الواسعة الانتشار في ذلك الوقت إلى درجة إن بعض دور السينما تخصصت في عرضها دون الأفلام الأخرى فقد كانت أكفنا تلتهب بالتصفيق للبطل راعي البقر الذي عندما يواجه قبيلة من الهنود الحمر وهم السكان الأصليون لأمريكا تكون الغلبة في نهاية الفيلم للرجل الأبيض الذي يسقط منهم الكثير من القتلى ويفر البقية للنجاة بأنفسهم أمام هذا البطل الذي لا يقهر … كان ذلك عندما كان وعينا بسيطا وثقافتنا محدودة ولكن عندما تقدم بنا العمر واتسعت مداركنا عرفنا إن تلك الأفلام الدرامية تحمل رسالة خطيرة مفادها إن الرجل الأبيض بطل لا يمكن مقاومته وما على خصومه سوى الاستسلام أو الفرار من أمامه ..وهي رسالة عنصرية تقوم بتمجيد العرق الأبيض وتصوره على أنه فوق كل الأعراق الأخرى ..ومن هنا نعي إن الدراما يمكن أن توظف لنشويه الحقائق أو لغلبة نزعة الهيمنة وقولبة أفكار الناس على الخضوع من خلال صنع أبطال يتغيرون وفق معطيات كل عصر ….ولكن يمكن بالمقابل أن تكون الدراما هادفة وبناءة وذات توجه إنساني يدعو إلى التسامح وتحقيق العدالة الانسانية عبر المساواة بين الشعوب بغض النظر عن اختلاف اللون أو العرق لتكون ذات غاية في تقوية الرغبة بين الشعوب في حياة مشتركة تدعو إلى السلام العالمي والمعاملة بين الشعوب على قدر من المساواة والاحترام … والمطلوب منا التركيز على دراما تعرض قضايا مجتمعنا والمشاكل التي يعاني منها وطرح الحلول لها وحتى إن اكتفي المسلسل أو الفيلم أو المسرحية بعرض المشكلة بأسلوب وحوار وقصة تشد المشاهد بأفكار مقنعة وبمعالجة درامية محترفة دون أن يطرح الكاتب حلولا فإن ما تثيره بين الجمهور من حوار وجدل حول المضمون مما يبلور حلول نابعة من القاعدة الشعبية العريضة … الدراما الكوميدية تعرض قصة تثير الضحك لدى المشاهد مما يجعلنا نشعر بالمرح من خلال سخريتها مثلا من بعض الظواهر الاجتماعية إلا إنه علينا أن نكون حذرين خاصة من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات المستوردة من الخارج التي عادة ما تحمل أفكارا هدامة تتناقض مع قيم مجتمعنا واخلاقياته والمطلوب الانتباه إلى إنه من خلال الضحك على احداث القصة قد يتم الترويج إلى بعض السلوكيات والقناعات المنحرفة وحينها لن يكون ضحكنا سوى على انفسنا ..!! واعتقد إننا نعيش فترة تاريخية صعبة على الصعيد الوطني والقومي وكل ما نحتاجه إعطاء مساحة مناسبة للمسلسلات والأفلام والمسرحيات التاريخية التي تحرك في الناس معاني العزة وقيم الكرامة وتحرضهم على النهوض بواجبهم الوطني والقومي باستلهام أحداث تاريخنا عبر اسقاطه على الحاضر ليكن هناك ضمانة للمستقبل كما ادعو إلى الاهتمام بالمسرح المدرسي ليكون أداة لتسلية التلاميذ والتقليل من رتابة اليوم الدراسي وليكون مجالا يظهر فيه التلاميذ مواهبهم وقدراتهم على شرط أن تحمل المسرحية مضامين اجتماعية هادفة وشعور وطني صادق ومواقف اخلاقية يحتذى بها التلاميذ ليمارسوها عملا في حياتهم ليكونوا مواطنين صالحين معنزين بانتمائهم إلى وطنهم وأمتهم ….

■ عبدالله مسعود ارحومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى