كنت على اتصال الأسبوع الماضي مع أحد الأصدقاء القدامى وقد أخبرني أنه موجود في المنطقة الشرقية برفقة وفد من شيوخ وأعيان المنطقة الغربية للمصالحة الوطنية .. هذا المصطلح الذي طالما سمعناه يتردد مرات ومرات في عدة مناسبات محلية ودولية، وفود من كبار السن وغيرهم نراهم يجوبون البلاد شرقا وغربا وجنوبا وشمالا وموائد واجتماعات تعقد وبيانات تؤكد على وحدة الوطن وحرمة الدم وقداسة الشرف والعرض ونبذ الحرب والاقتتال وتكررت هذه الجولات وتعددت حتى اتخذ البعض منها وسيلة للارتزاق ومصدرا للوجاهة وقضاء الحاجات وتلبية المصالح الخاصة وبابا للصرف والثراء غير المشروع وهذا ليس غريبا في مثل هذه الظروف؛ حيث ينشط تجار الحروب وسماسرة الأزمات ويتصدر المشهد سفهاء القوم وأصحاب النفوس المريضة، ولكن الغريب أن الكثير ممن نراهم يتحدثون عن المصالحات الوطنية هم في واقع الحال لا يستطيعون الإصلاح حتى بين الرجل وزوجته أو بين الابن وأبيه ! لذلك وبعيدا عن كثير من التفاصيل أستطيع أن أوكد بأنه لا مصالحة مع وجود كتائب مسلحة احتكرت المال والساح وحتى السلطة ، ولا مصالحة دون الزج بالقتلة والمجرمين في السجون لتأخذ العدالة مجراها قولا وفعا ويأخذ كل ذي حق حقه ؛ لا مصالحة مع تربع ثلة من النفعين المستغلين عباد المال على هرم السلطة .. فكيف نطلب ممن قتل ابنه أو أبيه أو شقيقة ونهب ماله وانتهك عرضه أن يصفح ويصالح وهو يرى الجاني في أعلى درجات السلطة يصول ويجول حرا طليقا ؟ كيف تقنع المراهقن الذين تركوا مقاعد الدراسة وامتشقوا الساح واعتادوا ركوب العربات المصفحة بالحياة المدنية ؟ كيف تقنع هؤلاء المراهقن بتجنب أن يكونوا مجرد رقم في قوائم الوفايات وان يتحولوا إلى مشاريع البناء والتنمية ؟ المشكلة يا سادة تكمن في هؤلاء وفي من يستخدمهم كوقود للحرب وليس في من يرتدون (الجرود والزبونات والبدل العربية الفاخرة) فالمصالحة الوطنية هي برنامج وطني متكامل وليست مبادرات شخصية تبدأ هنا وتنتهي في نفس المكان ولنا في تجارب دول عاشت حروبا أهلية دامت سنوات وسنوات وهي ترفل اليوم في أمن ونماء، فرواندا اليوم سجلت أعلى معدل نمو في إفريقيا وأعلى مستوى لدخل الفرد بعد ما عاشت سنوات من الحروب الأهلية والاقتتال فهي مثال يحتذى ؛ تجعلنا نحدد أية مصالحة وطنية نريد .. مصالحة من أجل الوطن؛ ام مصالحة البيانات والولائم .
■ عبدالله سعد راشد