عندما استكمل المصرف المركزي لجنته الإدارية، مع الخطوات الجريئة المتمثلة في تفعيل ورفع قيمة مخصصات الأغراض الشخصية، وتيسير شحنات من النقد المحلي لكافة المصارف التجارية وفروعها استبشر المواطن خيرا، ممنيا النفس بقرب زوال هم السيولة النقدية، وتقزيم السوق الموازي للنقد الأجنبي إلى أبعد حد . لكن على ما يبدو إن ما اتخذ من خطوات لم تكن نتائجها في المستوى المأمول، فمنذ الثالث من شهر نوفمبر الجاري، وهو الموعد الذي حدده المصرف المركزي لبدء المصارف في توفير السيولة النقدية بصفة دائمة ودون تحديد سقف لقيمة السحب، بهدف إعادة الثقة في المصارف، ظهرت هشاشة ما أطلقه المصرف المركزي من إجراءات ووعود وتطمينات للشارع الليبي، فحتى اللحظة هناك مصارف لم ترى شيئا من العملة المحلية، لا قديمة ولا جديدة، وهناك مصارف مازالت تراوح في ذات المكان، وتمارس ذات الطقوس، فلا سيولة متوفرة بصفة يومية، ولا سقف مفتوح، ولا ماكينات سحب ذاتي يعتمد عليها كبديل للسحب بالصكوك !! وفوق هذا هناك علامة استفهام كبيرة في ما يخص الاعتمادات المستندية، ومخصصات الأغراض الشخصية من النقد الأجنبي. المركزي مازال يمنح الاعتمادات دون حساب، وزاد مخصصات الاغراض الشخصية بمقدار الضعف عما كانت عليه، وبالمقابل أعلن في نشرته الدورية منذ ايام عن تسجيل عجز في استخدامات النقد الأجنبي بنحو 3.8 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري . وفي إجراء آخر له، فتح باب تلقي طلبات تأسيس مكاتب وشركات الصرافة، مبررا هذا الإجراء لتنظيم سوق النقد الأجنبي، وتحجيم السوق الموازي. هذه الخطوات التي لم تكن بداياتها بحجم التهليل بها والتنويه بالنتائج المنتظرة منها، تطرح أكثر من سؤال.. أين السيولة المزعومة، التي تظهر في المصارف العامة كهلال العيد، في حين لم ترى المصارف التجارية الخاصة منها شيئا حتى اللحظة . وما مبرر منح تراخيص مزاولة لمكاتب وشركات الصرافة، طالما النقد الأجنبي المتحصل من بيع النفط لا يكفي لتغطية استخداماته، أليست هذه الخطوة أشبه بمن يشتري السرج قبل ان يشتري الفرس؟. . وهل هناك مورد آخر من غير الاحتياطي الاستراتيجي لتغطية العجز المتصاعد في استخدام النقد الأجنبي؟ وما تفسير عجز وزارة المالية ومعها المصرف المركزي عن صرف قيمة مرتبات شهر أكتوبر الماضي حتى الآن، على الرغم من تحصيل 21.3 مليار دينار من الرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي منذ تطبيقه في شهر مارس الماضي ؟ ووفقا لما لمساه من فارق لا يبشر بما يأمل المواطن، ما بين التنفيذ وبين النتائج، نأمل ألا تكون كل هذه الإجراءات مجرد جعجعة، بلا طحين كاف لوضع الملف المالي الليبي على سكة الأمان والطمأنينة .
■ إدريس أبوالقاسم