مقالات

على ضفاف الوطن

كيف نتصالح !

المصالحة الوطنية الشاملة هي مطلب وغاية لكل الليبين ، للخروج من النفق المظلم ، وحياة البؤس التي يعانونها، ولكن كيف تكون المصالحة ؟ ومن سيصالح من ؟ الليبيون ليس بينهم مايستوجب المصالحة، فهم أخوة وأبناء عمومة وأصهار وأصحاب وأصدقاء وزماء في العمل ، ليسوا مختلفن فيما بينهم عن الوطن الذي يجمعهم . ولكنهم مختلفن ، على من يقود قطار المصالحة بعد أن فقدوا الثقة في كل الأجسام السياسية وبكل مسمياتها ،مجلس نواب ، ومجلس دولة ، ورئاسي ، ويرون أنهم لا يتمتعون بالشرعية الشعبية ، وإنما هم مغتصبون للسلطة بقوة الأمر الواقع وبدعم ومساندة قوى أقليمية ودولية لها أجنداتها التي تسعى لتنفيذها خدمة لمصالحها ، من خلال استخدام الموالن لها محليا ، وباتوا ينظرون إليهم على أنهم سببا مباشرا فيما وصلت إليه الأوضاع السيئة في ليبيا ، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا جزءا من حل الأزمة وهو مالم تتفهمه البعثة الأممية ولا تريد فهمه أو تعيره أي اهتمام . إن المصالحة الوطنية الصادقة والحقيقية كما يراها الليبيون يجب أن تكون واضحة المعالم تطرح فيها كل الإشكاليات القائمة بكل شفافية بين كل المكونات الاجتماعية والكونتونات السياسية ، بعيدا عن التدخلات الخارجية وفي داخل الوطن وبعيدا عن مصطلح المنتصر والمهزوم ، وأن يلتزم الجميع بمخرجات هذه المصالحة ، لأن الفشل ستكون انعكاساته مدمرة للجميع وستبقى بذلك دار لقمان على حالها ونعود للاحتكام إلى البندقية وساحات القتال ، ولن تكون لا لمن يزعم أنه المنتصر ولا للمهزوم، وبذلك سننقل ضعفنا وخيبتنا للأجيال القادمة ونورثهم وطنا تمزقه الفن . إن مشكلة ليبيا ليست في عموم الليبين وإنما تكمن فقط فيمن يتصدرون المشهد السياسي والاقتصادي ويسيطرون على مفاتيح الدولة ، والتفوا حول مطالب الشعب في المصالحة الوطنية وصياغة الدستور واستخدامهم لها كأوراق ضغط للمزايدة والمناورات السياسية للبقاء في السلطة وكأن الوطن غنيمة .. أولئك الذين تأكد فشلهم في مواجهة الماضي، الذي يفترض أن يكون خطوة أساسية ونقطة انطاق نحو بناء المستقبل ، ويرفضون الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوها في حق كل الليبين، بما يعبر عن النضج والإرادة الحقيقية لبناء الدولة ، وفضلوا الاختباء خلف أخطائهم في محاولة للهروب من مجابهة الواقع الناتج عن تلك الممارسات الخاطئة التي حدثت ، والتي يفترض أن تكون دروسا تدفع إلى الإصلاح ، سيما وأن التاريخ الإنساني مليء بالأحداث والدروس التي يمكننا الاستفادة منها لإنجاز المصالحة الحقيقية ، وإعادة بناء الضمير الوطني من خلال مواجهة الحقائق المؤلمة ، لغرس قيم الاحترام والتسامح في الأجيال القادمة ، وعدم الانحناء أمام ثقل الماضي ، ولننظر إلى النموذج الجنوب إفريقي ، الذي لم يستغل إنهاء الميز العنصري كانتصار سياسي يتباهى به، وجعل منه رحلة أمنة لإعادة الثقة المجتمعية نحو المصالحة ، و إعادة البناء على أسس التسامح والعدالة الاجتماعية . إن المصالحة الحقيقية تحتاج إلى شجاعة تقود لإصاح الضرر والاعتراف بأن الأخطاء ليست نهاية الطريق، بل هي بداية جديدة لتصحيح المسار ، وزراعة
قيم المساواة والعدالة الاجتماعية والتأسيس لدولة القانون.

 

■ عون ماضي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى