العالم يتغير رغم أنف أمريكا، والدول المتمردة تزداد وتتكاثر غصباً عنها، والعديد من البلدان نزعت ثوب الخوف والاستكانة الذي ألبسه لها الكابوي وفرضه زيّاً رسمياً لها منذ أكثر من نصف قرن. سياسة الهيمنة الأمريكية واللغة الاستعمارية التي تعاملت بها مع شعوب العالم خلقت بذور التمرد والرفض لدى العديد منها، وعزلت الولايات المتحدة عن محيطها الدولي وهذا بدوره شجع الدول المناهضة لسياستها على أخذ مواقف واضحة تجاه سياساتها غير المقبولة مع العالم. وكما تريد شعوب العالم أنظمة ديمقراطية ودستورية، فالعالم ودوله في حالة بحث عن توازن دولي ديمقراطي يحدد العلاقات بين الأمم الكبيرة والصغيرة وبين الهيمنة الأمريكية والمقاومين لها. العالم يتغير، والدول تزداد جنوحا لحماية استقلالها من التهور الأمريكي، وآلية البنك الدولي تخيف الدول التي تزداد تورطا بالديون، والعقوبات التي تستخدمها واشنطون لحل خلافاتها مع الدول بدأت تخلق رغبة لدى الكثيرين لبناء نظام دولي مختلف عن النظام الدولي الأمريكي، ومنظمة )بريكس( الخارجة عن المنظومة الأمريكية والمتمردة عليها بدأت بخمس دول وصارت الآن تضم عشرة وطلبات الانضمام تزداد مع مرور الوقت وإثبات المنظمة قدرتها على خلق نظام عالمي متوازن خالٍ من القطبية الأحادية التي حاولت الولايات المتحدة ترسيخها منذ سقوط جدار برلين وانهيار المنظومة الشيوعية. العالم لم يعد كما كان، فهناك توازنات دولية جديدة بدأت تفرد لنفسها المساحة، ودول ومجموعات تنجح في فرض إرادتها والخروج من تحت العباءة الأمريكية. هذه ليست الحرب الباردة بمفهومها التقليدي التي تعودنا على معايشتها خلال الصراع بين حلف وارسو والحلف الأطلسي، لكنها شكل آخر من تعبيراتها يتلاءم مع العصر ويتوافق مع تغيراته، والأهم أنه يعلن عن ظهور عالم جديد قادر على أن يتحدى الإرادة الأمريكية ويرفض اوامرها وتعليماتها.
■ خالد الديب