مقالات

بربرية الغرب وسقوطه الأخلاقي (1)

بينما تدور حرب بشعة فى فلسطين بين مقاتلي حماس فى قطاع غزة وبين الجيش الإسرائيلي المدعوم غربيا بأحدث وأقوى الأسلحة الفتاكة ويدور قتال شرس بين مقاتلي حزب الله وجيش الصهاينة تظهر المقارنات والمقاربات فيرى البعض أن ما يحدث فى فلسطين ولبنان بين المقاومين الشجعان والجيش الإسرائيلي المدجج بالأسلحة الحديثة هو نمط متكرر من الحروب السابقة لكنه أكثر بشاعة وبربرية ، ويحاول المحللون إجراء مقارنات لاكتشاف بربرية وحماقة الغرب فى تعامله مع قضية الحرية وشوق الشعوب للحياة الحرة ففي حرب فيتنام خسرت أمريكا 58 ألف قتيل إضافة إلى 2500 أسير ومفقود، وذات يوم تحدثت الأمريكية نجمة هوليوود جين فوندا عن»عار أمريكا الأبدي « حين لاحظت أن الآلاف من الجنود الأميركيين عانوا من الصدمات النفسية فى حرب فيتنام ، بسبب «الأهوال العسكرية» بين مستنقعات الميكونغ أو بسبب تعاطى الهيرويين والأمفيتامين والماريغوانا، لتظهر في البلاد «متلازمة فيتنام» فهى كأمريكية تتحدث عن الأثر النفسي لجيش بلادها دون أن تتكلم عن أكثر من مليوني قتيل وجريح فيتنامى ، يا لها من بربرية وانحياز حتى فى التقييم ، ثم يرى المراقبون الاختلاف بين حرب الصهاينة والحرب الامريكية فى إفغانستان حيث واجه الأمريكيون وقبلهم الروس ما أسماه الجنرال الأمريكي « ديفيد بترايوس «التقاطع الميثولوجي بين التضاريس البشرية والتضاريس الطبيعية»، وذلك فى مذكراته ، حيث وصف الجبال والأودية فى أرض افغانستان ، لكأنها من كوكب آخر. ليقول «كنا نشعر، أنا وضباط القيادة، أننا نقاتل كائنات من كوكب آخر». ألا يوحي الأداء الخارق للمقاومة في لبنان، وفي غزة، بكونهم أي المقاتلين العرب أنهم من كوكب آخر؟ يقول الجنرال الأمريكي لقد مللنا من الحديث عن غياب العرب، وعن غيبوبة العرب وعدم قدرتهم على خوض الحروب ، وأنهم أسرى فكرتنا القديمة عنهم ، تلك الفكرة التي حشرتهم ثق افيا في أسطورة ألف ليلة وليلة وفراش شهرزاد وعنتر بن شداد وأبوزيد الهلالي وثقافة الإغارة والسلب والنهب ،(ولن نقول أكثر) ويمكن أننا كنا نعتقد أنهم لن يستيقظوا حتى يوم القيامة. وهناك مسألة جوهرية لابد من قولها فللأسف في الوقت الذي تمنح فيه أمريكا والغرب إسرائيل المعتدية كل أنواع الأسلحة يتردد «حليف العرب» قيصر روسيا بوتين يتردد فى تزويد حلفائه بأسلحة يستطيعوا بها الدفاع عن أنفسهم وعن مصالحه هو ، ذلك القيصر الذي لا يتجرأ على بيع إيران، أو سوريا، لا منظومات الدفاع الجوي المتطورة، ولا الطائرات الحديثة، حجته أن مثل هذه الخطوة، في الظروف الراهنة، لا بد أن تحدث حالة من الجنون النووي لدى قادة الدولة العبرية، لكن الحقيقة التى ينبغي على فلاديمير بوتين أن يدركها هي أنها «اي إسرائيل لولا الطائرات الأميركية التي تمتلكها والاسلحة الغربية المتفوقة تكنولوجيا وصور الأقمار الصناعية والمستشارين الغربيين لكانت إسرائيل قد انهزمت منذ وقت طويل ، لكنها السياسة والمصالح هي التي تصنع الحروب وتوقد الجحيم». إن أمريكا الإمبراطورية التي تجمع كل مواصفات الفردوس البشري والجحيم البشري في آن واحد كما يقول الكاتب الأمريكي «جوزف ستيغليتز» ، الحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد ، فقد وصف ما تفعله أمريكا بأنه ضرب من العار والخزي ، بينما قال الكاتب الأميركي الشهير «نورمان ميللر» الحائز على جائزة (البولونيز) مؤلف «رواية« الجلاد والعراة والموتى)» : يلاحظ العالم أن «رجالنا في العالم إما أغبياء أو مجانين». لم يقل الموتى 0موتى الأزمنة) . أي مجنون ذاك، وفي «عالم اللامبالاة»، عالم إسرائيل والغرب الذي يعتبر أنطونيو غرتريش الأمين العام للأمم المتحدة ، الآتي من ليل الحفاة في أميركا اللاتينية يعتبره المجرم نتنياهو وعصابته « شخص غير مرغوب فيه « كما أعلنت إسرائيل ، لأنه قال لا للمجازر وللوحشية فى قطاع غزة ، فأي عالم بربري هذا ؟ لنجاري الفيلسوف الفرنسي « لوي التوسير» في قوله «لا مكان في هذا العالم إلا للبرابرة». ولكن من يقود الكرة الأرضية سوى الدولة التي رجالها الأغبياء والمجانين والبرابرة، والذين دائماً ينتهون مثلما تنتهي الحرائق إلى الرماد ، منذ ألف عام، ونحن ضحايا العدوان والاستعمار ، نحن العرب ضحايا البربرية ، وموصومين بالتخلف والعالم ثالثية وغير الملتزمين بحقوق الإنسان ومبادئ الحرية فيما يتغنى الغرب بأكاذيب حقوق الإنسان والديمقراطية والحضارة ويوصم العرب بالجهل والتخلف والوحشية ، من قرون انقضى زمن الأنبياء وزمن الأولياء، وحتى زمن الملائكة. قبل وفاته عام 1986، قال مؤرخ الأديان الروماني ميرسيا إلياد «انتظروا خروج الآلهة القدامى من فوهات الجحيم». لقد خرجوا .. في هذه الحال، لو مرة وحيدة نكون البرابرة في وجه البرابرة. يتبع

■ د. أبوالقاسم صميدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى