خلف زجاج عريض لسوق كبير، تعلو واجهته لافتة مضيئة تحمل اسمًا تجاريًا مكتوبًا بخط عريض وبارز .. بداخله أنواع متعددة من المواد الغذائية والمنزلية ، كما تُركن بعض المنتجات على الرصيف وأمام المدخل، وتعرض مباشرة لأشعة الشمس بشكل عشوائي، مما يُعيق حركة المارة ويجبرهم على النزول من ممرات المشاة والمسير على الأسفلت، مما يسبب ربكة واكتظاظًا في الطريق العام. وتبقى تلك العروض المتناثرة داخل علب البلاستيك والصفيح لأيام أو حتى لشهور على رصيف المشاة. تتفاعل محتوياتها مع حرارة الشمس لتستقر في بطون المستهلكين، بعدما قطعت مسافات طويلة محملة على ظهور الشاحنات أو ملقاة لأسابيع في ساحات الموانئ أو في خانة الانتظار على أعتاب البوابات ومنافذ الحدود، لتستقر في النهاية في بطون المستهلكين. في هذه الأثناء، لا يستطيع الحرس البلدي ولا الشرطة، ولا حتى الجن الأزرق، التدخل للحد من هذا الإهمال المتعلق بحفظ الأغذية والأدوية والتعامل معها بشكل صحيح كمواد حساسة تتطلب العناية أثناء التصنيع والتخزين والنقل والعرض، إلا في وجود ضمير حي يحب الخير للآخرين كما يحبه لنفسه. إن مراقبة المسؤولين وحدها لن تكفي لمتابعة الصناع والتجار والناقلين الذين يسعون لتحقيق أعلى الأرباح، خاصة خلال فترات النقص والحاجة. هنا يبقى الضمير هو المراقب الحقيقي، وهو الضمان لتوفير مواد غذائية ودوائية صالحة. لكن هذا لا يمنع الدولة من اتخاذ دورٍ فاعل وصارم في مراقبة هذه الأمور، والعمل بجدية وحزم لحماية المستهلك وحرصًا منها على الصحة العامة. فأولئك الذين يجلسون في أماكن مكيفة لا يهتمون إذا كانت بضائعهم تحت الشمس أو تحت القمر، أو ملقاة على الرصيف تُعيق المارة، بقدر ما يهتمون بالدرهم والدينار. ويعتقدون أنهم متفوقون وأذكياء، ولا يدركون أن الدائرة تدور، وأنهم هم أيضًا معرضون للخطر وسيقعون في تناول الأغذية والأدوية المشبعة بأشعة الشمس ومنتهية الصلاحية، أو مجهولة المصدر . فالمجتمع حلقة مترابطة، وإذا أفسد أحد أعضائه، سيتأثر الجميع، وسيلحق الفساد بأهله. فكما تدين تدان .
■ عبدالرزاق يحيي