مقالات

(نافذة) ..

الصحف وصلت ؟ استفسار لم يعد يُسأل !

كنا في الغرب الطرابلسي نسأل كل صباح عن وصول الصحف اليومية الصادرة التي كانت تُطبع في العاصمة، ويتم توزيعها عن طريق دار النشر والتوزيع لتصل إلى مدينة الزاوية متأخرة\ عند العاشرة صباحًا، بعد قطع مسافة 45 كلم فقط، وفي أحيان كثيرة تصل عند الواحدة ظهرًا. كنا حينها نقف أمام عتبة المكتبة الرسمية (أحمد قنابة)، دكان متر في متر بدون لافتة، مكتبة يتيمة تقبع في إحدى الشوارع المنسية بالمدينة. تلك المكتبة البائسة لم تحظَ بالاهتمام والرعاية كمثيلاتها من المكتبات الخاصة، ولم تجد موضع قدم بن محال الشاورما والهمبورجر وفترينات الأحذية، كما لم تجد في أدمغة المسؤولين بصيص أمل تجاه الثقافة والأدب، فكانت مهمشة كغيرها من المراكز الثقافية والمؤسسات الشبابية المهملة في مدينة عرفت على مر التاريخ بأنها منارة للعلم والمعرفة ومنبع للمثقفن والأدباء. تلك المكتبة البائسة كان يرتادها أهل الثقافة ومراسلو الصحف ومتتبعو أخبار الثقافة والرياضة والفن، كما يأتيها من يترقبون تعديل أسمائهم وأعمارهم، وأيضًا الذين تُنزل صورهم من خلال المتابعات واللقاءات والتحقيقات الصحفية. إضافة إلى عدد آخر من حاملي البريد بالشركات والمؤسسات العامة التي أُجبرت على استلام نسخ من الصحف الصادرة يوميًا. الجميع يتساءل عن وصول الصحف من عدمها. فيرد موظف المكتبة التعيسة من خلف طاولة حقيرة، وهو يلتمس الهواء من مروحة كهربائية أكثر تعاسة، تنحى عنها إطارها المعدني للحماية. فيقول بكل خجل: “لا، ليس بعد، لا زلنا ننتظر السائق المكلف من دار النشر والتوزيع”، ثم يضيف مطمئنًا الحضور بأن السائق في الطريق، وعلينا الانتظار. ويقصد بالانتظار أيضًا الوعود الوردية من قبل المسؤولين عن الأم اك العامة، ومن يتصدرون المشهد فيما يسمى “بالشعبية”، التي تنص على تسليم مقر جديد يليق بقيمة الكتاب وستوى ما يُعرض من صحف ومج ات في مبنى مهيأ ومحترم. ولكن شيئًا من ذلك لم يحدث، بل حلت دار النشر والتوزيع وتفرق موظفوها كل إلى وجهته، وبقيت المكتبة البائسة فاتحة ذراعيها إلى ما بعد التغيير في 2011 ، وظلت تتعثر إلى أن سُدَّ بابها ولم يعد لها وجود. كحال الصحف اليوم التي اختصرت وقل عددها حتى أنها كادت تُنسى، ولم يتجاوز توزيعها حدود العاصمة. الآن لم يعد أحد ينتظر قدوم الصحف الورقية بعدما غُيبت وطغت عليها العولمة وتضاعفت مصاريف الطباعة والورق. وهذا ما استند عليه أحد المسؤولين من عمداء المجالس البلدية عند تقديم مقترح لإصدار صحيفة شهرية، معل اً بقوله: “من لا زال يتابع الصحف في وجود الإنترنت؟” وهنا نتساءل : إذا كان هذا حال المسؤولين اليوم عن الثقافة، ف ا لوم على اختفاء الصحف وغيابها .. وما نتمناه هو عودة الصحف، حتى لو تأخرت ألف مرة، ولا نلوم سيارة دار النشر والتوزيع إذا وصلت بعد الواحدة ظهرًا.

■ عبدالرزاق يحيى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى