بدأت علاقتي بالسحر والسحرة والمسحورين في التشكل حوالي عام 1973م وقد كنت حينها طفلا غرا في التاسعة او العاشرة من عمري .. كنت يومها اتابع التلفزيون الوحيد في بيتنا أيام البث باللونين الأبيض والأسود قبل ظهور الألوان وقبل ظهور الاطباق والصحون وشاهدت وتابعت مع والدتي اطال الله عمرها وذاكرتها خبرا في نشرة التلفزيون الليبي حول زيارة الرائد حينها عبدالسلام جلود وقد كان رئيسا للوزراء في ليبيا وكان من ابرز الشخصيات السياسية في حكومة حركة عام 1969م الى درجة ان الليبيين كانوا يهتفون بعمره وعمر القذافي معا حين كانوا يقولون « يا قذافي يا جلود انتم قادة واحنا جنود» .. المهم تضمن الخبر زيارة قام بها جلود الى الهند الدولة النووية العظيمة وكانت الهند من الأمم الكبيرة فهي دولة نووية وهي ملء السمع والبصر عبر انتاجها السينمائي الذي بلغ كل الامصار ووصل الينا حتى في اقصى غرب ليبيا في دور عرض الزاوية في سينما اللوكس وسينما العوزي وافلام الافعى 1 والافعى 2 وامتياب باتشان و ريشي كابور … جلبت الحكومة الهندية ساحرا هنديا الى الضيف الليبي الكبير عبدالسلام جلود وقام بوضع طرف خيط في جيب بدلة عبدالسلام جلود ثم قام بإخراج سمكة في حجم السمك البوري تتحرك وتسعى ووضعها في اناء زجاجي شفاف وبه ماء وسط ضحكات واستغراب الرائد ركن .. يومها تشكلت عقيدتي في موضوع السحر ان السحر امر عظيم ولو كان امرا عاديا ومنتشرا عندنا في ليبيا ومصر والمغرب وتونس وافريقيا ما جلبت الحكومة الهندية هذا الساحر الذي اتى بسحر عظيم مثل الذي اتى به سحرة فرعون وكانوا اعظم سحرة في التاريخ وتوقف عملهم السحري على ايهام الناس وسحر عيونهم ليروا الثعابين والافاعي التي كانت تسعى امامهم وسحر الهندي هذا حتى عدسة الة التصوير بوجود أشياء غير موجودة في الحقيقة وهي لا تلدغ ان كانت من الثعابين ولا تؤكل ان كانت من الأسماك فالخالق هو الله تعالى لا سواه والسحرة يتعددون او كانوا يتعددون ويسحرون ولا يخلقون .. وهكذا قضيت ردحا طويلا من عمري الصحفي في طواف الحقيقة التي تتعلق بالسحر من تندميرة الى مراكش في المغرب دون ان اعثر على ساحر واحد او ساحرة واحدة بل اكتشفت ان كل من يتم القبض عليهم كانوا من النصابين والكذابين وادعياء السحر وادعياء الاتصال بالجن وادعياء العلاج بالقران وان غايتهم جميعا هي الظفر بالمال والظفر بالنساء ولا يزالون حتى اليوم يحصدون أموالا طائلة حيث تذهب مدخرات الليبيين بسبب النساء الى جيوب النصابين وتذهب أجساد شريحة عريضة لا يعلمها الا الله تعالى من النساء الى هؤلاء أيضا .. اما الذين يعترفون باقتراف السحر منذ حقب بعيدة الى اخر متهم به في هذا البلد فقد تعرضوا على الأرجح للأساليب التعذيبية التي تندى لها الإنسانية حتى يقروا ،ا لا يعرفون ولا يستطيعون ولا يقدرون ويظن المعذبون انهم ينقذون الامة وانهم يحسنون الصنع كما يصف القران الكريم ((قل هل ننبئكم بالأخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا)) .. والتاريخ الدموي لمحاربي السحر والسحرة طويل ومرير وكنت شاهد عيان على بعض تفاصيله الحقيقية والمؤلمة مع الفئة التي اخذتها العزة بالإثم وراحت تعتقل وتعذب وتقمع وتنتزع اعترافات فارغة لن تعيرها النيابة أي اهتمام ولن يعيرها القضاء أي اهتمام
■ عبدالله الوافي