بن غفوة عابرة ونوم عميق ممزوج بأحام مبهمة، وبن يقظة مليئة بالركض وراء المجهول، يمضي بنا العمر سريعاً نحو الفناء. تتاشى حياتنا وكأنها لحظة، ونحن لا ندري كيف ل تطوى مراحل أعمارنا عاماً بعد عام، ولا كيف نكبر ونثقل كل يوم بمتاعب الحياة.الحياة التي نعيشها بحواسنا وطاقاتنا ووقتنا، تبدو عبثاً بعيداً عن الحقيقة، توهمنا بالأماني في دروب لا نهاية لها من الشقاء والسعادة .. حتى نكبر ونشيخ، أو ربما نموت فجأة دون سابق إنذار . تتوالى علينا الأيام وتتعاقب السنون، تاركة بصماتها على وجوهنا وأجسادنا كأثر الرياح في الرمال الناعمة؛ تهب السحب الداكنة لتغطي رؤوسنا، فينغمس بعضنا في سبات من الضياع والغفلة. يمضي وقتنا حثيثاً دون رجعة، وكلمة “راح الوقت” تخرج من شفاهنا بعد كل نهاية؛ لنجد أنفسنا نكرر جريمة قتل الوقت بأيدينا دون مبرر .. نغرق في صفقات كامية في المقاهي وعلى ل نواصي الطرق، وندفع ثمناً باهظاً حتى نبلغ عتبة الكهولة، حيث ندخل عالم النسيان بعيداً عن الزماء والأصدقاء. نجد أنفسنا في زاوية البيت، يضيق بنا المكان، ويضيق بنا الأهل، لنصبح نتعامل مع الوجع والألم .. يقل السمع والبصر، فتفقد الحواس قوتها المعهودة، لنكون بذلك حماً ثقياً على من حولنا، الذين يتمنون لنا الموت العاجل ليشعروا بالراحة برحيلنا. وهكذا، تتواصل مراحل أعمارنا في المضي قدماً نحو النهاية دون توقف، ولن تنتظرنا؛ بينما نتناغم في سماعة الهاتف، أو نتقابل على لعبة من الورق، أو نقف نراقب الآخرين. حتى نجد أنفسنا محاصرين في أجساد ضعيفة متهالكة، لا تقوى على الحراك، مرمين كتركة بالية لا تصلح لشيء، نعيش في ازدراء حتى نهلك ونساق إلى القبر.
■ عبدالرزاق يحيى