مقالات

(نافذة) ..

المشي وراء التابوت

بعد صاة العصر، ستبدأ مراسم الدفن. المتوفى شخصية معروفة ومن عائلة راقية، والكل يسعى للظهور في المشهد. تتبادل الأكتاف حمل النعش، والخطوات تتسارع نحو المقبرة .. الميت مستلقٍ على لوح من الخشب، تحمله الأيادي، كأنه تراث تالف. لا حياة لمن تنادي. بالأمس كان بينهم، يركض وراء الحياة، يستمتع بأحامه ويخطط لمستقبل واعد. لكن ها هو لالآن جثة هامدة داخل صندوق مظلم، وسيدفن تحت أطباق التراب إلى الأبد. تبدو الوجوه شاحبة، وغبار الطريق يتصاعد، وخشبة التابوت تكاد تخترق أكتاف حامليها . بينما تتشعب الأفكار بعيدًا عن الحدث، فهناك من يشغل باله بصفقة تجارية، وآخر يستعيد ما أوصت به زوجته، او ما وعد به السيد المدير وآخر يتبع الموكب كما تتبع الدابة القطيع. إنهم يحملون الموت فوق رؤوسهم، يذكرهم في كل خطوة بالمصير المحتوم، يحملون جسدا با روح ومع ذلك، لا يفكرون في ذلك وكأنهم لا يدركون ما يحملون. غايتهم إنجاز المهمة بسرعة والظهور في الصورة ، ثم الانطاق نحو ملذات الحياة . فهم يختلفون عن أولئك الذين يحملون أبطال الدوري على أكتافهم، ويصرخون بانتصار زائف لا يدوم، يكفيهم أنهم يعيشون اللحظة بشغف ويستمتعون بلذة الحدث وبهجته. نحن نمشي وراء الجنائز، ونحمل الموتى إلى المقابر، نضعهم في اللحد، ونهيل عليهم التراب . نفقد الأحبة والأقربن، نعزي أنفسنا، ثم نغادر دون أن نلتفت إلى الوراء . ونشاهد مشاهد القتل والدمار على الشاشات كأحداث متكررة اعتدنا عليها ، لا نملك أمامها إلا ضغط زر صغير لننتقل إلى محطة أخرى . ونتناول الطعام ونشرب الماء، ونتجول في الأسواق بدم بارد، با انفعال . فمتى نتبن الحقيقة ونغضب ونعمل لها ؟

■ عبدالرزاق يحيى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى