مقالات

عزف منفرد

مجرد وهم !

الدول الصغيرة تغريها الأدوار الكبيرة، تجد فيها نوعاً من الثأر مما تعتبره ظلم الجغرافيا، تعتقد أحيانا أن الدور يوسع الخريطة ويحميها، وتستسلم لمتعة اللعب على ملاعب الآخرين؛ مشكلة الأدوار الكبيرة أنها جذابة ومغرية، وكثيراً ما توقع القائمن بها في الإدمان، كما أنه من الصعب إقناع المدمن بالعودة إلى دور يوازي حدود الخريطة وحجمها، وفي الغالب لابد من العج بالصدمة حتى يستفيق صاحب الشأن اويعود إلى رشده. جربت ليبيا في السابق لعب هذا الدور وحاولت بقدر المستطاع التمرد على واقعها والتمدد خارج حدودها بل إنها اقتربت في أكثر من مرة من حدود الكبار وناورت هناك ب كوابح ا ولا انضباط فصدمتها حقائق الواقع ولسعتها مرارة التجربة.. صحيح أنها نجحت في بعض المغامرات وتفوقت على حدودها وإمكانياتها في أكثر من تجربة، لكن حجم الخيبات كان أكبر والثمن الذي دفعته لم تستطع تعويضه حتى جاءت الفرصة السانحة فالتهمتها السباع في غابة لا يعيش فيها غيرها ولا يقرر سواها.. بعد ليبيا ظهرت قطر والإمارات اللتان لا تملكان من عوامل القوة والنفوذ إلا المال الذي يسيل أمامه لعاب أقوى الدول وأضخم الإمبراطوريات، وبينما تدخلت ليبيا في أغلب الأحيان لمساندة أحد الأطراف التزمت هاتان الدولتان بدور الوسيط الذي يملك وسائل الإقناع وأدوات التفاوض وهي المال ثم المال ثم المال.. نجد دولة الإمارات الآن تتوسط في أخطر حرب شهدتها الألفية الثالثة ولاتزال قائمة بن روسيا وأوكرانيا وتجذب حولها كل القوى الكبرى في العالم، ورغم ذلك فالوساطة الإماراتية تسير في حقل الألغام هذا ب توقف وربما ب خريطة أيضاً وتنجح في ااعمليات تبادل الأسرى مرات عديدة. واختارت إمارة قطر القضية الفلسطينية كمحور أساسي لوساطتها وتدخلت في أعقد حلقاتها ألا وهي إيقاف الحرب في غزة والإفراج عن الرهائن الإسرائيلين فض عن وساطات ياأخرى أقل أهمية وأدنى قيمة. وفي الثمانينات حاولت النرويج )الدولة الإسكندنافية الصغيرة( التمرد على جغرافيتها واستضافت في عاصمتها سراً مفاوضات ضمت ممثلن عن منظمة التحرير الفلسطينية و)إسرائيل( وأنجبت من هذا الزواج المسيار ابناً مشوهاً تمت تسميته ) إتفاق أوسلو( لم يعش إلا في خيال عرفات ومن شاركه اللعبة. وقبلها استضافت أيسلندا الدولة المتجمدة في أقصى الشمال الأوربي أشهر قمة أمريكية سوفياتية بن ريغان وغورباتشوف لتظل فترة طويلة في صدارة الأحداث وعناوين الصحف والأخبار.وإذا كانت هذه الأدوار تعجب الدول الصغيرة وترضي غرورها في تقديم تسهيلات مهمة للدول الكبرى وتجعلها ماثلة في الساحة الدولية ومتداولة بشكل مستمر في وسائل الإعم، فإن ذلك يناسب أيضاً القوى العظمى ا التي تختار وسطاء ب دور أو تأثير ويكتفون ا بتقديم الخدمات الضرورية لأصحاب الشأن الأساسين، وهكذا يحقق كل طرف هدفه ي ويدرك كل جانب غايته ولكن إلى حن وإلى حن فقط.

■ خالد الديب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى