مقالات

أغنيات

بعض الأغاني تبقى “وشما” في العظم ملمحا في الحياة لا يغيب عنا ولا يرحل إلا برحيلنا ورحيل أنفاسناوفي بعض “الغناء” لمحات يلقانا الجديد فيه كلما سمعناه بعض الغناء على بساطته رواية بكامل تفاصيلها وتحاليلها ومواويلها وفي “غناء الرحى” صفحات وصفات عجيبة غريبة عجيبة لأنها محملة بالمعاني الكثيفة رغم قصر الأغنية .. وليس ذلك غريبا فأغاني “الرحى” هي غناء أنثوي .. والأنثى هي “الحياة” وفي عوالمها تولد الحياة وتنمو وتتربى وتتلقى معارفها فالأنثى هي مهد الحياة فلا يكون فنها وغناؤها إلا بعض “جنين” عاش وتقلب في حنايا ثم جاء “حيا” كغيره من الأجنة الذين تقلبوا في أحشائها .. غناء المرأة هو مولود من مواليدها وهي تنقشه بالمعاني المكثفة وتناجيه بما فيها وتضع فيه ما يدور في حناياها من حياة لا تتوقف ولا تهدأ .. والمرأة سمعة وشرف وعرض لأنها هي “مهد” الحياة ومهد الحياة له حرمته ف “مهد الحياة” محاط بالخوف عليه وله منزلته الرفيعة في النفوس .. ولأن المرأة “حرمة” فهي محاطة بالأسرار ولا تستطيع الشكوى علنا ولا تستطيع أن تقول كل ما فيها كما هو فيها وإنما تقول المعاني التي تولد محملة بالمعاني مليئة بالدلالات “المكثفة” التي تتسع لكل الرؤى وكل التفاسير .. فأغنية المرأة هي “التكثيف” العالي الغالي الذي يبحث عنه الأدباء المحترفون فلا يظفرون إلا ببعض قشوره لأن الأدباء يكتبون “التكثيف” من باب الصنعة والمهارة ومن بال القدرة والبراعة بينما المرأة يولد التكثيف فيها وفي كلماتها لأن “التكثيف” من خصائص تكوينها ومن رفاق حياتها فهي وحدها قادرة على مناغاة ومناجاة وليدها الذي لا أبجدية له ولا يفهم الكلام وهي وحدها قادرة على مناجاة وليدها في أحشائها وعلى الشعور بالمعنى “المكثف” فيها فهو يكثف وجودها حتى يقسمها إلى وجودين وجودها هي ووجود هذا الكائن الذي يحتلها ويرهقها ويسعدها .. حياة المرأة مليئة بالتكثيف لأنها لا تستطيع البوح علنا بما في حناياها فهي تدور حول معانيها تغلفها بالعوز وتملؤها بالتكثيف والتلوين والزخرفة والنقرشة فالجمال والتجميل والتزويق طبيعة نسائية تجيدها المرأة بطبعها والرمزية طبع زرعه فيها حياؤها وخجلها وظروفها وقيود الطبيعة حولها .. تقول صاحبة الأغنية وهي ممتلئة بالذي هو فيها .. يا طفل غريت بيا .. وشمتت فيا أعياليي جعل فراشك رزية .. واغطاك خوف الليالي تلك امرأة خدعها أحد الماكرين الذين لا يخافون الله حتى شوه سمعتها بالكذب والافتراء .. ثم رماها حين زهد فيها الآخرون لما يسمعون عنها من أكاذيب كان هو يروجها عنها وينثرها في شعره وحكاياته المفتراة المكذوبة .. فتأملوا أنتم كيف اختصرت هي كل الدلالات وكيف جاء بيانها مكثفا ممتلئا، وتأملوا بالله عليكم كيف تطوي نفسها على وجيعتها “وشمتت فيا أعيالي” ثم تأملوا هذه الدعوة الشنيعة حيث تطلب المسكينة من الله تعالى أن يجعل “فراشه رزية” فهو لا ينام إلا على الرزايا التي تطارده أحلاما وخوفا وهما ونكدا وقلقا .. وأن يجعل غطاءه خوف الليالي” وتأملوا هذا التكثيف الرهيب المرعب فيمن يكون غطاؤه ووقايته وحمايته وأمانه “خوف الليالي ” وكفى بذلك تكثيفا ورمزا ونقشا رائعا .

 

■ عمر رمضان اغنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى