مقالات

الثقافة تعكس قيم الحضارة

القراءة هواية مفيدة يمكن لأي انسان ان يحظى من خلالها بالعديد من المعارف الانسانية التي تجعله متميزا في ثقافته وافكاره .. و أول وسائل القراءة هو الكتاب الذي يحتوى على نتاج المبدعين والمكرين الفلاسفة .. والكتاب هو أساس المعارف وبه يقاس رقي المجتمعات ومستوى تقدمها الحضاري .. كل الحضارات الانسانية اهتمت بالكتاب باعتباره اداة المعرفة والوعي بحقائق الحياة والكون والانسان .. وقد اهتمت الحضارات الاسلامية العربية بالكتاب إذ جعل المأمون الخليفة العباسي لكل من يقوم بترجمة كتاب اجنبي بأن يهبه وزن الكتاب ذهبا كما اسس دار الحكمة وجعلها ملتقى للكتاب والعلماء يتناقشون فيها شؤون الثقافة والمعرفة والعلم . وكل أمة أو شعب يقاس تطوره الحضاري بمدى الاهتمام بالكتاب والعناية به طباعة وترويجا من أجل أن يصل الكتاب إلى الجميع .. بدون الكتاب لن توجد علوم ولا ثقافة ولا إبداع .. ومن هنا كان حرص المجتمعات المتقدمة على طباعة الكتب في شتى انواع العلوم والمعارف .. وحتى يمكن لنا أن نعرف مدى اهتمام الدول بالكتاب فعلينا أولا أن نلقي نظرة على كم تطبع كل دولة من كتاب في السنة ومن خلال البحث عن كل ذلك نجد إن عدد الكتب التي تصدرها الدول العربية مجتمعة لا يتجاوز (1650) عنوان بينما تنشر امريكا لوحدها (85) ألف عنوان في السنة وهنا تصدمنا حقيقة الجهود الهزيلة التي تبذلها الحكومات العربية في طبع الكتاب .. وقد توصلت منظمة اليونيسكو إلى نتائج مذهلة خاصة فيما يتعلق بالكتاب حيث نجد إن نصيب كل مليون عربي لا يزيد عن الثلاثين كتابا مقابل (854) كتاب لكل مليون مواطن اوروبي ويزداد الأمر غرابة عندما نكتشف إن معدل قراءة المواطن العربي ربع صفحة في السنة مقابل حجم قراءة مرتفع لدى المواطن الامريكي الذي يصل إلى (11) كتاب في العام .. وعند الاطلاع على تقرير التنمية البشرية الصادر سنة 2003 عن منظمة اليونيسكو نجد إن كل (80) مواطن عربي يقرأ كتاب واحد في السنة بينما يقرأ المواطن الاوروبي (35) كتابا في السنة أما المواطن بالكيان الصهيوني فإنه يقرأ (40) كتابا في السنة .. وحسب تقرير ثان صادر عن التنمية البشرية عام 2011 نجده يشير إلى إن المواطن العربي يقرأ بمعدل (6) دقائق سنويا بينما يقرأ الاوروبي بمعدل (200) ساعة في السنة وهذا دليل على الهوة العميقة التي تفصل بين حال القراءة في الوطن العربي وواقعها في اوروبا . وفي دراسة أخرى اجرتها شركة متخصصة عام 2008 نجد إن المصريين والمغاربة يقضون (40) دقيقة يوميا في قراءة الصحف والمجلات .. مقابل (35) دقيقة في تونس (34) دقيقة في السعودية .. (31) دقيقة في لبنان ,هذا فيما يتعلق بالصحف والمجلات أما قراءة الكتب فإننا نجد إن اللبنانيين يقرؤون (588) دقيقة في الشهر .. وفي مصر (54) دقيقة أما في المغرب (506) دقيقة وفي السعودية (378) دقيقة .. ولتوضيح مدى تراجع مكانة الكتاب بالوطن العربي فإننا نصاب بالذهول عندما نعلم إن الدول العربية في عام 1991م لم تنتج سوى (6500) عنوان بالمقارنة مع امريكا الشمالية التي تنتج (102000) عنوان ,أما امريكا اللاتينية والكاريبي فإنهما ينتجان (42000) عنوان .. ولعلنا نتساءل الآن عن الأسباب التي جعلتنا كوطن عربي في هذا المستوى المتدني فيما يتعلق بإنتاج وتوزيع وقراءة الكتاب مقارنة بالشعوب الاخرى التي تهتم بالكتاب طباعة وتوزيعا وحتى في سعره ليكون متاحا للجميع … في الوطن العربي كثيرا ما يجد المواطن إنه أمام خيارين إما رغيف الخبز أو الكتاب فيختار مرغما رغيف الخبز بضغط من ظروفه الاقتصادية وحالة الفقر التي يعيشها ويتناسى إن جسم الأنسان بقدر ما يحتاجه من غذاء لإنتاج الطاقة المطلوبة للحركة والعمل فإنه يحتاج أيضا إلى تغذية عقله من صنوف المعارف ليكون مدركا وواعيا بمسيرة حياته وطبيعة الاشياء فيما حوله ربما ساهمت الكثير من العوامل في عزوف المواطن العربي عن القراءة يأتي الجانب الاقتصادي أولها فخلال السعي اليومي من أجل الحصول على الرزق قد لا يجد المواطن العربي وقتا متاحا للقراءة إضافة إلى تأثير الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي يقضي بها ساعات طويلة باحثا عن الإثارة في الأخبار العابرة والمواضيع التي لا تضيف لحصيلته المعرفية شيئا .. أعتقد إننا في ليبيا لن يكون حال الكتاب والقراءة بأحسن مما لدى الدول العربية الأخرى فأغلب مواطنينا لا يهتمون بالكتاب ولا يميلون للقراءة وهو ما يؤثر سلبا على المشهد الثقافي لدينا الامر الذي يدفعنا إلى إجراء دراسة شاملة لواقع القراءة والكتاب لدينا واعتقد إن صحيفة الوقت مهيأة أكثر من غيرها لفتح هذا الملف نتيجة لما تضمه بين كتابها من خيرة الاساتذة الذين يملكون رؤية عميقة لهذا المجال وخبرة واسعة تمكننا جميعا من الوقوف على الصعوبات والعراقيل لتي تواجه الكتاب أو القراءة بشكل عام ولنضع النتائج أمام وزارة الثقافة فلربما تستطيع التغلب على عدد منها .

■ عبدالله مسعود ارحومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى