في عام 2011م وعقب دخول كتائب الجيش الليبي او كتائب النظام السابق الى مدينة الزاوية وانتشارها فيها كنت والسيد لطفي في السيارة عائدين من المقهى الذي كنا نتردد عليه ونقضي فيه ساعة من نهار او ساعة من ليل في تلك الفترة العصيبة من تاريخ شعبنا المنكوب .. وقد دار بيننا حديث ساخن رفع فيه كل منا عقيرته بالصراخ … ولولا نوافذ السيارة المحكمة الاغلاق لتعرض نفر منا الى الاستيقاف والقبض والتصفية ربما بسبب رأيه المخالف للسلطة السائدة في الشوارع تلك الأيام … كنا على خلاف عميق فيما يتعلق بتوصيف الذي يحدث اثناء فبراير اذ يعتقد واحد منا بانها ثورة ويظن الآخر بانها مؤامرة ويظن احدنا بان جلب الناتو قد أدى الى تدمير البنى التحتية للبلاد بينما يظن الاخر بانه جاء لحماية المدنيين .. احدنا يؤكد بان الناتو هو السبيل الوحيد للخلاص من حكم عسكري طويل ويرى الاخر بان الأوضاع في البلاد ستتدهور تدهورا خطيرا وغير مسبوق ويظن احدنا باننا سنشبع شبعا لم نعتاده (على رأي زقروبة) ويرى الاخر بان البلاد اذا سقط النظام فيها فلن تقوم لها قائمة وانها غير قابلة للنهوض من جديد .. كان احدنا مثل نصف الليبيين وكان الاخر مثل النصف الاخر من الليبيين وكان الفرق بيننا في الحقيقة مجرد اختلافات في الرؤية وفي التوصيف وفي التفسير وفي التحليل .. لكن القلوب كانت كلها مجتمعة على الوطن وان تباينت القناعات وتشعبت الدروب واختلفت السبل نحو الغاية الجمعية للكل و المتمثلة في صون ليبيا وحفظها والارتقاء بها .. اختلفنا نعم لكن أحدا لم يفكر في إيذاء الاخر بالوشاية ضده واحدا لم يفكر في وضع سم فار في طاسة شاهي الثاني .. واحدا منا لم يفكر في القطيعة او الكراهية او الضغينة او الحقد فالقواسم المشتركة بيننا كثيرة وما يجمعنا فيها اكثر بكثير مما يمكن ان يفرقنا .. فنحن يا سيدي ندين بالإسلام الوسطي ونحن أبناء وطن واحد تربطنا لغة واحدة ولهجة واحدة وعادات وتقاليد واحدة وتاريخ نضالي مشترك ضد أعداء الامس .. يربطنا التاريخ المشرق والجغرافيا الجميلة والدين السمح ويربطنا علم الاجتماع والجيرة والمصاهرة و وشائج الدم والقربى لذلك فأننا نستأنف في صباح اليوم الموالي اللقاء اليومي الذي يجمعنا ونذهب الى نفس المقهى ونجلس على نفس المقاعد ونتناول نفس الشاهي وقد نتناول معا نفس الرقيلة ونتنفس نفس الاكسجين اليومي المعتاد ونحلم نفس الاحلام .. كنا ندير الحوار السياسي الساخن وندير الخلاف السياسي باقتدار بعيدا عن الاعين والاسماع ولم تكن تنسحب سحبه وغيومه القاتمة الى تفاصيل علاقاتنا التي ظلت على ما هي عليه حتى اليوم .مصاب الامة اليوم يتمثل في عدم القدرة على إدارة الحوار وإدارة الخلاف فيما بين اطيافها وفي فقدان الاتزان وفي شيوع الاختلافات التي خلفت الكراهية والحقد والبغضاء والتآمر والعنف لانها لا تدار كما ينبغي ان تدار ومصاب الامة في التخوين بسبب اختلاف الرؤى والاختلاف على توصيف ما جرى وما يجري وما سيجري.المشكل بيني وبين لطفي في مقبل السنين لا يتعلق بكلينا بل بأولادنا .. فأولاد احدنا لن يقفوا للراية التي يتحمس لها أولاد الاخر واولاد الاخر لن يصغوا باعتدال للنشيد الوطني الذي يصغي له أولاد احدنا .. أولاد احدنا لن يذعنوا لتوصيف ما جرى في فبراير وقبلها وبعدها في كتب التاريخ والمطالعة التي يذعن لها أولاد الاخر .. والحل المستقبلي ليس بجمع الأولاد جميعا على قصاعي رز باللحم المسلوق او قصاعي فتات شهي او قصاعي بازين منعش كما يظن أصحاب القبعات البيضاء الذين ازدردوا كميات هائلة من محتويات تلك القصاعي دون ان يتقدموا قيد انملة على درب المصالحة الوطنية الحقيقية التي تبدأ مما قلت آنفا وتنتهي بدستور يتضمن شكل الدولة على أسس يقبلها اولادي واولاد لطفي .
ملحوظة: كل من يدعي بانه لطفي المقصود سيرفض ادعاؤه لرفعه من غير ذي صفة ويتعرض للمحاكمة بتهمة البلاغ الكاذب.
■ عبدالله الوافي