من المفارقات الإعلامية الرائجة التي أتحفنا بها علماء وخبراء الإعلام قبل أزيد من ثلاثين عامًا فكرة أن سرعة انتشار التكنولوجيا وتطورها من دون شك أنها ستزيد من قدرة البشرية على الوصول إلى الحقائق وكشف الشائعات بسرعة مدهشة وغير متوقعة ودن عناء.لكن بكل أسف هذه النبوءة لم تتحقق بالشكل الذي كان متصورا لها، أو بالشكل المقدر لها، بل على العكس من ذلك تماما، طفرة المعلومات وضخامتها وانتشارها وازدحامها حولت منتجات التقانة في الأعوام الأخيرة كوسائل التواصل الاجتماعي وفائض من الصحف الرقمية والفضائيات إلى منصات شهيرة وغرز لإطلاق الشائعات والكذب والتلاعب بعقول وتفكير وقلوب المتابعين لها من جمهور وسائل الإعلام وممارسة شتى أنواع الكذب والتضليل والخداع عليهم . والحقيقة الماثلة اليوم أمامنا أن انفجار المعلومات قابله طغيان وتيه وضياع معلوماتي، أوصل العالم إلى مرحلة عرفت بعصر «ما بعد الحقيقة post«»truth ذلك المصطلح الذي صكه معجم أكسفورد الشهير كأميز عبارة للعام 2017 . وقد طرح ذلك هذا المصطلح تساؤلا منطقيا، إلى أين يقودنا هذا الكم الهائل من الخداع والتزييف والكذب ؟ يقول الفيلسوف»جان بودريار» في أحد توقعاته عن موت الواقع الحقيقي «وازدياد موجات التضليل، عالم تزداد فيه المعلومات أكثر فأكثر يصبح فيه المعنى أقل فأقل» معنى ذلك أننا وصلنا بالفعل إلى عصر الوهم فى كل شيء ونعيش اليوم واقعًا تحت النماذج المتخيلة التي من أبرزها الفضاء الافتراضي لمواقع التواصل، عالم لا يؤمن بالحقائق في هجوم معلوماتي شرس من كل الاتجاهات، ولعل أشهر ما يقال في مجتمعاتنا اليوم تدليلا على ذلك عبارة «ياوهمي» إسقاطًا واضحًا لواقع نحياه بكل أوهامه . فالتقنية رغم حالة الإبهار التي قدمتها أوقعتنا في فخاخ الكذب والزيف فكل هذا الضخ المعلوماتي قابله واقع وهمي غير حقيقي .
■ الدكتور : عادل المزوغي