مقالات

في المنظار

"الديوكسينات" شبح يطارد صحتنا !

في جلسة حوارية نظمها المركز الليبي للدراسات الاستراتيجية والأمن الوطني صباح الثلاثاء الماضي، سعدت بحضور المداولات بين عدد من النخب الأكاديمية والفاعلن التنفيذين في مجال الكيمياء العضوية بالجامعات والمراكز البحثية ببادنا، في أعقاب المحاضرة القيمة ل حول الآثار الصحية المدمرة الناجمة عن تراكم “الديوكسينات” في الجو والتربة والمنتجات الزراعية والثروة الحيوانية وانعكاساتها على صحة الإنسان التي ألقاها المهندس علي غنية، الرئيس السابق لقسم الجودة بمركز الرقابة على الأغذية والأدوية بطرابلس، وعضو لجنة ملوثات الأغذية بالمركز الوطني للمواصفات والمعايير القياسية .. هذه الحوارية كشفت المستور عن شبح مخيف يحيط بنا من كل جانب، دون أن تكون هناك أي محاولات جادة على المستوى الرسمي للتصدي لتفاقمها من جهة، ومكافحة الأضرار الناجمة عنها من جهة ثانية، وقبل هذه وتلك رفع الوعي المجتمعي لفهم أضرارها وكيفية تجنبها . و”الديوكسينات” هي ملوّثات بيئية تنتمي إلى ما يسمى “المجموعة القذرة”، وهي مجموعة من المواد الكيميائية الخطرة تُعرف بالملوّثات العضوية الثابتة والتي لها القدرة العالية على إحداث التسمّم، إلى جانب آثارها الممرضة عند تراكمها لبعض الأعضاء والأجهزة الجسمانية .. وهذه “الديوكسينات”، بعد دخولها جسم الإنسان، يمكنها الاستحكام فيه مدة طويلة بسبب استقرارها الكيميائي وسهولة امتصاصها من قبل النسيج الدهني والاستقرار فيه. حيث يتراوح نصف عمرها بين 7 أعوام و 11 عاماً .. و”الديوكسينات”، أساساً، هي منتجات ثانوية ناجمة عن العمليات الصناعية التي لا تتوفر فيها معدات التنقية، بما فيها مصانع الإسمنت، والتعدين، وتبييض عجينة الورق بالكلور، وحرق النفايات غير المراقبة “النفايات الصلبة ونفايات المستشفيات”، وصناعة بعض مبيدات الأعشاب ومبيدات الحشرات، كما تنجم عن العمليات الطبيعية، مثل حالات الثوران البركاني وحرائق الغابات .. هذه الجلسة الحوارية بينت انعدام اشتراطات مكافحة أسباب نشوء “الديوكسينات”، خاصة العشوائية منها ، حيث لا رقابة قائمة على حرق القمامة وعشوائية المكبات، واستخدام المبيدات با رقابة في الإعمال الزراعية، وعدم معالجة المخلفات البشرية ،. على الرغم من الأضرار الكبيرة التي تنجم عن تعرض الإنسان لهذه الملوثات، والتي من بينها وليس جميعها الآفات الجلدية المختلفة، والأورام، واختال وظيفة الكبد، والجهاز المناعي، والجهاز العصبي ، والوظائف الإنجابية.. وبالنظر لمؤشرات سلبية عديدة، لعل أبرزها ارتفاع معدلات الإصابة بالأورام الخبيثة، بات لزاما التعاطي مع هذا الملف بكل جدية وحزم، عبر سن القوانن والقرارات المجرمة للحرق العشوائي للمخلفات بأنواعها، وتطبيق معايير اتفاقية “استكهولم” الخاصة بذلك، بدأ من تنفيذ ماتم التوصية به في ورشة العمل التي أقامتها الهيئة العامة للبيئة في أغسطس 2019 بشأن وضع خطة وطنية لإدارة السليمة للملوثات العضوية الثابتة، تحت شعار “من أجل بيئة خالية من الملوثات”، والتي على مايبدو أنها تختبئ هي الأخرى خلف ذلك الشبح، طالما لم ينفذ منها شيء حتى اللحظة .

■ إدريس أبوالقاسم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى