البؤس الثقافي ظاهرة عالمية ، ونتيجة منطقية لعدم تناغم الفكر مع الذات ، وتصادم المفاهيم والرؤى، وتباين المقاصد والغايات . فتبلورت ثقافات متقاطعة ، يظن كل فريق إنه على صواب …! فيذهب كل مثقف يغني على لياه، ويصير في نظره : المستحيل ممكنا … والممكن مستحيلا …! وفي الحالتن : نقش على الرمل ، وتجديف ضد التيار …! يكتب مقاله ويختار مفرداته وفي ظنه أصاب كبد الحقيقة ، فإذا به قد جانبها …! وصار ما يكتبه لا يساوي ثمن المداد الذي كتب به مقالته ….! فينكفي على ذاته ، وتخصر أروقة الثقافة نتاجه الأدبي ..! ويحلق الرسام في أفاق رحبة من الخيال ، فيخادعه عمى الألوان فيرسم لوحته معتقدا أنها تسر الناظرين … فإذا بالأعن تسمجها، والذوق العام يرفضها ، فيجتر حسرته …! وقد يدفعه الإحباط إلى تحطيم لوحاته ، فيخسره الفن …! ويصعد المطرب الركح ، ويبث شكواه إلى الليل ، والعن ، والزمان ، والبن …! والناس في هرج ومرج ، فيخيل إليه أنهم صرعى فنه … ولا يكتشف إنه مخدوعا ، إلا حينما يبدأ بعض المشاكسن قذفه بأحذيتهم ، فيغادر الركح غير مأسوف عليه …! وربما يدفعه ذلك الموقف إلى اعتزال الغناء …! تلك هي المشاهد العبثية لظاهرة التصحر والبؤس الثقافي ، والتي ربما تكون ظاهرة عالمية … فما أحوج العالم إلى ثقافة تتناغم مع الذات وتعزف على وتر الإحساس الجمعي لهموم الانسانية بعيدا عن الإسفاف المادي .
■ البؤس الثقافي