مقالات

كلمات

والكلمة مفتاح مغاليق الكون .. والكلمة كون ولون وعين وعون .. وكلمات كل شعب هي دليل ذوق وفهم وحس وتتفاوت الشعوب في حسها الروحي بتفاوت إحساسها بالكلمة دلالة وتذوقا ومن يتتبع موروثنا الشعبي سيجد كيف تولد الكلمات من روح عالية مصبوغة بصبغة الروح السامي .. ففي الموروث الشعبي الذي غزله الذوق الرفيع والحس المرهف نجد التعابير تضعنا في مواجهة عوالم من الدلالات الباهية الزاهية ونلمس فيها الحس بالكلمة والحس بالمخاطب والحس بالحياة تفاؤلا وتفاعلا فأهلنا تولد كلماتهم من حسهم بمن يخاطبونه تفاعلا بكلماتهم من رحم الذوق العالي والتفاؤل الجميل ونلمس هذا في حياتهم عامة فأنت تسمع التحايا تولد من رحم مناسبتها التيتقال فيها .. فالداخل على من يقومون بجز الغنم يقول بعد تحية الإسلام  (النور ياجلامه) و”الجلامة” هم من يجز الغنم بالجلم وهم يردون على تحيته (النور ولا ظلام القبور) والتحية وردها من طريف الكلمات ذوقا وحسا وتمييزا لعمل من أعمال بتحية تخصه فيها التفاؤل بالنور وفيها الموعظة لمن يعمل الصالحات فيتحاشى (ظلام القبور) أجارنا الله جميعا من سوء المنقلب .. وفي تحية من يقوم بحصاد زرعه يقول أحدهم بعد تحية الإسلام (ما سلمت من صابة) و”الصابة” الزرع الغزير الكثير الوفير ويرد صاحب الزرع (بجاه النبي واصحابه) وفي التحية وردها أحلى الدلالات بوفرة الخير لصاحب الزرع ورفع معنوياته للعمل وفي الرد جو من الروحانية العالية بذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم .. وأهلنا لا يتعاملون مع الأشياء في حياتهم على أنها مجرد أدوات تؤدي خدمة وكفى .. بل يرونها رفيقا وقرينا يبثون فيه الحياة ويتعاملون معه باحترام ويتكلمون عنه بتوقير فهم لا يقولون (طفي الضي) فذلك تعبير يجعل “الضي” مجرد أداة للنور فيلا حياتهم وليس بعضا منهم .. ولكنهم يقولون بكل احترام (بيت الضي) وبيت بتشديد الياء تجعل دعوة الضي إلى النوم والمبيت مثل أهل البيت تماما فكما يبيت او يبات كل واحد منهم فمن حق الضي ان يبيت ويرتاح فهو يستحق (التبييت) وليس (الإطفاء) .. وتلك لمحات ولمعات صغيرة جدا من مخزون كبير جدا يدل على رهافة الحس وقوة الفهم واستحياء الأشياء ببث الروح فيها وجعلها بعضا من أهل البيت وليست مجرد أداة يغني عنها غيرها .. ومن يتتبع علاقة المرأة بالرحى وكيف تشاكيها وتناغيها بالغناء الرفيع البديع ومن يقرأ علاقة الرجل بالجمل والناقة وكيف يراها رفيقا أنيقا صديقا عاليا غاليا يفهم كيف كان أهلنا ينحبون تعابيرهم من أرواحهم وليس من قواميس اللغة.

■ عمر رمضان اغنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى