سكان اقصى المغرب العربي رغم غزو الثقافة الفرنسية التي يتبعونها ويتعاملون بها . إلا أنهم حينما يمر موكب جنائزي تجد المارة والباعة وجالسي المقاهي وكل من في المكان يقفون مهابة للموت واحتراما لحرمة الميت . أما عندنا هنا تقف غصباً عنك وتتنحى جانبا عن الطريق وتبتعد نهائيا وتلتصق بالحائط ليس لمهابة موكب جنائزي أو احترام لميت بل من مخافة (موكب العرس) وتداعياته الجسام ! نعم (موكب العرس) الذي يجعلك تهرب وتدخل في أول زقاق يلاقيك لتنفذ بجلدك وبسيارتك هربا من شبح الموت القادم .. إنه (العرس) وأذرعته المصفحة. وما يصاحبه من عبث وجنون المتهورين الذين يحلو لهم التباهي والاستعراض بإطق النار ا العشوائي وسحق الإطارات السوداء على الإسفلت الأسود وتحيل ليلة العرس إلى ليلة سوداء مرعبة على المتساكنين والمارة الذين يبيتون ليلتهم واضع أيديهم على قلوبهم وهم يتقاسمون البلاء وسط ضوضاء مضرة وإسفاف وتهور ا وصراخ مزعج لمجان حمقى غير مكترث بأحد .. يتواصلون في ننغيهم واستهتارهم حتى ساعات متأخرة من الليل . إن الصراخ المدوٍي الصادر من موكب العرس يعلو المكان ويخترق جدران المنازل . كنت شاهد عيان ارقب من بعيد موكب العرس القادم وهو يقترب كالإعصار الهادر . السيارات تتمايل بجنون، وأصوات إطق النار تشق السماء .. وأرى الناس يتنحون جانباً كأنهم ا يهرعون من وحش مفترس . ويلتصقون بالجدران كأنهم خشب مسندة “تنحى جانباً ! عروس أمامك!” يصرخ أحدهم . ويرد آخر هيا بسرعة ابتعد إلى الناحية الأخرى . أسمع ثالثا يتمتم بغضب ويحاول الاتصال بابنه الوحيد الذي يعمل بمحل تجاري في نهاية الشارع أخذت أتابع المشهد بذهول متسائلا كيف تتحول ليلة فرح مبهجة إلى كابوس للمتساكنين والمارة ؟! صراخ مزعج وفوضى يمآن الشارع . المجان الحمقى ن يقودون سياراتهم بتهور لا يكترثون لأحد، ويواصلون غيهم واستهتارهم حتى ساعات متأخرة من الليل . يا لها من ليلة لا تعرف النوم . بينما في المقابل وحينما يمر موكب جنائزي لا يعير ذاك المشهد اهتمام أحد ولا يلفت انتباه أحد ولا يتعظ بالموت أحد، وكأن شيئا لم يحدث. الكل منشغل فى شؤونه فتمر الجنازة الآتية من دار الموتى نحو المقبرة دون أن تخيف أحد أو تثير تساؤلات أحد . أبتعد أكثر وأستند برأسي على كرسي سيارتي أتحسر كيف تصبحت قيمنا الجميلة من الماضي ؟ وأتساءل متى أصبح الاحتفال بالحياة أكثر ضجيجاً وخطورة من توديع الموتى ؟ وهل فقدنا احترامنا للموت في خضم صخب الحياة ؟
■ عبدالرزاق يحيى