تستفزني كلمة : (لماذا) ،المركبة من: لام التعليل ، وما الاستفهامية ، وذا الإشارة .فهي أداة استفهام تعد الزناد الذي يقدح صوان الذاكرة ويشعل سراج التفكير ، لأننا ربما قد عطلنا التعامل معها منذ زمن بعيد ، عندما دب الوهن في جسد أمتنا ونخرته الفرق والمذاهب ، وأرهقته الدسائس والمؤامرات ، وسيطرت ثقافة الأزمة على العقل ، وانفصم الفكر عن الذات ، فصرنا إلى ثقافة ترسخ مفاهيم بالية ، وغدت منظوماتنا التربوية ، تحاكي ذلك الانكفاء ، فجمد التفكير والاجتهاد ، وحل محله الاجترار والمحاكاة ، بدل التفكير العلمي الذي يقود إلى النهضة ، فانكفأت العقلية على ذاتها دونما تفكير في المستقبل ، فحصدت التخلف والتدهور ، وغاب عن ذهنها السؤال : (لماذا) ؟ لقد حولت المنظومة التربوية العقيمة ، عقل الطالب في أمتنا، مجرد آلة تسجيل يحفظ ما طلب منه ، وربما دون فهم وإدراك ، وعطلت أي شيء يقود إلى التفكير ،ولو كانت الإجابة على الاستفهام (لماذا) ؟ فباتت الأمة تراوح في مكانها منذ زمن ، بينما انطلقت أمم أخرى واستثمرت العقل ، وروضته ، وأجابت عن السؤال المهم لماذا ؟ فحصدت نظريات علمية في مختلف المجالات لقد نجحت تلك الدول ، التي اعتمدت منهج التفكير العلمي في مناهجها ، حصدت تقدما علميا وحضاريا مذها في فترة زمنية قياسية ، في الوقت الذي تتصارع فيه الفرق والجماعات في أمتنا على قضايا جدلية ، لم يحسم الرأي فيها إلى اليوم ، لقد استيقظ العالم مبكرا في البحث والمثابرة تحركهم كلمة : لماذا ؟ فكانت النتائج مذهلة يأتي من بينهم ، (نيوتن) عندما كان جالسا مع أصحابه وسقطت عليهم تفاحة ، فقال الجميع سقطت التفاحة إلا (نيوتن) ، استفزه الاستفهام الجميل، وصدح بمفتاح المعرفة الحقيقية وقال : لماذا سقطت التفاحة؟ وذهب إلى البحث والاستقصاء ، وكلما شعر بالتعب استفزه السؤال الملح : لماذا ؟ .إلى أن أكتشف الجاذبية . ولعل أديسون حن اخترع الكهرباء بعد محاولات كثيرة يراها غيره فاشلة ،ويراها هو اكتشافات تقود إلى نتائج لا تؤدي إلى الفشل ، إلى أن وصل إلى اختراعه الرهيب المتمثل في الكهرباء ، يأتي ذلك فقط ، بفعل إجابته على الاستفهام : لماذا ؟ وأجاب اينشتاين عن السؤال عندما وصل إلى قانون النسبية ، وبن من خال النتائج أن المثابرة تفوق العبقرية نسبيا . وذهب العالم يتسابق في الإجابة على هذا السؤال ، فكان التقدم العلمي المذهل … إن الواقع المرير الذي تعيشه أمتنا اليوم ،سببه أنها لم يجب عن السؤال : (لماذا) ؟ فلم تسأل ذاتها : لماذا : هذا الانقسام و التشظي الذي يعيشه عالمنا العربي اليوم وهذه الحدود المصطنعة ،التي زادت من معاناة المواطن العربي ، في الوقت الذي تقام فيه التجمعات ، والتكتات الدولية ، بن دول لا تربطها لغات ولا تقاليد؟ لماذا : لم تعيد النظر في منظومات تعليمها الحالي ، الذي يخرج حملة شهادات فقط ، في عالم ، يشهد طفرة علمية ، يتربع على ذروتها علوم التقنية و الذكاء الاصطناعي . فالتعليم في الوطن العربي ،ما زال تقليديا ، لم يقدم اختراعات ، واكتشافات؟ ومازالت دراساتنا هشة تقليدية ، تعتمد على المؤلفة بن الآراء ولم تقدم جديدا ، لأنها تعتمد على التوليف بن مختلف الآراء . فالدراسة التي لا تقود إلى الاكتشاف، ليست دراسة ، يعول عليها ، والبحث الذي لا يقود إلى الاختراع كذلك . لماذا لم نستفيد من ذاكرة أمتنا العظيمة؟ فالأمة التي لا ذاكرة لها تعيش يومها ، وأمسها تقسمه إلى قسمين ، قسم تنساه ، وقسم تزوره ، وتسميه التاريخ؟ فالأمة العربية لها ماضي عريق ، ينبغي الاستفادة منه ، بالوقوف عند تلك المحطات الإيجابية ، لتكن دافعا لأجيال المستقبل من خال نظرة استشرافية ، بعيدة عن جلد الذات . لماذا لا نبني دساتيرنا وقوانيننا على حقوق المواطنة ، وليست الهوية ، لتذوب فيها كل المكونات الاجتماعية ، القبلية والعرقية والدينية والإيديولوجية؟ (فأوباما) أفريقي الأصل حكم أمريكا بالمواطنة وليس بالهوية ، ورئيس وزراء بريطانيا الحالي هندي يحكم بريطانيا بالمواطنة وليس بالهوية . لماذا ، لا نطور جامعتنا العربية العريقة ،لتقوم بمهامها القومية على الوجه المطلوب ، من خال دعم الدول العربية لها ، واحترام مواثيقها ، فهي تمثل الحد الأدنى لوحدة هذه الأمة؟ لماذا لم يتحقق التكامل الاقتصادي والأمن القومي بين الدول العربية ، رغم الإمكانيات الهائلة التي تزخر بها الدول العربية؟ سيبقى حال أمتنا هكذا كما وصفها الرسول صل الله عليه وسلم” يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، فقال قائل: يا رسول الله: وما الوهن؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ” وإلى أن تجيب الأمة على سؤال لماذا ، تبقى حالها إلى أن تشعل سراج التفكر وتنهض من كبوتها ، وتفيق من غفوتها
■ الدكتور. خليفة العتيري