أجيال (2)
ف كبير السن /عندنا / كان تفسيره كبيرا في القدر والمقام فهو الحكمة والخبرة والتجربة وهو نحن حين لم نكن شيئا مذكورا وهو مدرستنا وجامعتنا وحاضنتنا وهو نسبنا في الجسد وفي الفهم والمعرفة حتى كنا به “شيئا مذكورا” .. ومن هنا وجب تبجيله وتوقيره ومحبته الصافية التي لا تتغير ولا تتوقف و”بيت العيلة” هو المهد والعهد وهو “الوطن الصغير” ونسيان الوطن لايعني الهجرة عنه أو الابتعاد عن ترابه .. كلا .. نسيان الوطن هو أن تنفصل عن الوطن وأنت في الوطن تأكل من خيراته وتتمتع بهوائه وتنتسب إليه كل خلية فيك حاضرا وماضيا حتى ولو تنكرت أنت لهذا و”عقوق الوالدين” ليس معناه الانفصال عن “بيت العيلة” وإن كان “البعد” عن بيت العيلة مؤشرا وبداية تلد ما بعدها فالأشياء الكبيرة تولد من “بذرة صغيرة” ثم تنمو شيئا فشيئا بشكل غير ملحوظ ثم نلحظها فننكرها من قلوبنا ونطردها لأنها “دخيلة” ثم نلحظها فيما بعد فلا ننكرها ولا نقبلها ولكننا نراها شيئا “قابلا” للنقاش والرأي ثم تستقر فينا فما تزال فينا تنمو ثم تنمو حتى تصبح فينا “شعورا طبيعيا” .. “فالبعد عن بيت العيلة” يبدأ في أول أمره للتوسعة ولشيء من الراحة، ولكنه لا يعني الانفصال عن “بيت العيلة” ولكنه / كما فلنا/ ما يزال يتغير ويتلون ويتطور وفقا للبيئة حولنا ووفقا لما نراه وما نقرأه وما نعرفه عن “مجتمعات” ترى هذا السلوك سلوكا “متحضرا” و”تقدميا” و”عصريا” فهو يحقق “خصوصية الحياة الزوجية” التي تظل “منقوصة” في “بيت العيلة” وهو يحقق “استقلال” الولد عن “سلطة الوالد” التي صار اسمها “سلطة” وليس ” أبوة” ولاهي “حق واجب” فالعصر الذي نحن الآن فيه يلهج بحقوق الإنسان والحرية والخصوصية والشخصية المستقلة ويرى “بر الوالدين” خضوعا لسلطة الوالدين وهو يرى هذا الخضوع نوعا من “النقص” في الشخصية ولا يراه فرضا مفروضا من رب العباد ليس للعبد فيه فضل ولا دخل ولا مخرج له من تنفيذه ” فعقوق الوالدين” ليس خروجا على “سلطان الوالد” وإنما هو خروج علني على “سلطان رب العالمين” الذي جعل الخروج عن طاعة الوالدين قرينا للشرك بالله تعالى فسلطان الوالدين مكفول بسلطان الله وهو طاعة الله تعالى و”عقوق الوالدين” ورميهما في “دار العجزة” هو “الانسلاخ” وهو “التفسخ” وهو مجرد ثقافة وافدة وانسلاخ منا نحن عن التربية الأصيلة فينا كأمة تحترم كبيرها وتراه مرجعية في كل شيء وهو انسلاخ عن تعاليم الله الواضحة الصريحة التي لا تقبل التأويل ولا التفسير، فسلطان الوالد هو مضمون له وواجب علينا بأمر الله سبحانه وهكذا يبدأ “الانسلاخ” في ثقافتنا التي لا نرعاها ولا نخضعها لمقاييس ديننا ومقاييس حضارتنا ومقاييس تربيتنا وذلك لا يعني عدم الاستقلال في البيت كلا .. ولكن الاستقلال ليس هو الانفصال والانفصال لا يعني الانسلاخ والسكن في بيت مستقل لا يعني انفصالنا وانسلاخنا عن الوالدين حتى لا يكون لهما ملاذا ولا ملجأ إلا في “دور الرعاية” وهما الرعاية وهما المهد وهما العهد.
■ عمر رمضان اغنية