المبعوث الأممي الثامن الذي يغادر ليبيا بنقد حاد من جميع الأطراف حتى الذين هللوا وكبروا به واستقبلوه كما استقبلوا سابقية بحفاوة في بيوتهم واستراحاتهم وقدموا لهم البازين ووكلوهم الكسكسي والفتات .. وعندما غادروا البلاد منتهين مهامهم أشبعوهم لعنة وتجريحاً .. ولم يسلم أحداً .. لا المبعوثين العرب ولا الأفارقة ولا الأوروبيين وهل ياترى العيب والضعف في هؤلاء المبعوثين أم الليبيين المسؤولين هم المشكلة ؟! فلا أعتقد أن كل من جاء مكلفاً من الأمم المتحدة هو ضعيف ولا يملك القدرة والكفاءة لإدارة الأمور بفاعلية وقوة .. وهم جميعاً بشهائد عليا وسنوات من العمل الدبلوماسي والخبرة وأقلهم يتكلم ثلاث لغات بما فيهم العربية وليس من المعقول أن دبلوماسيتهم وخبراتهم أقل فهماً واستيعاباً من المسؤولين لدينا .. الذين ولا في مرة جلسوا فيها للحوار والنقاش في الداخل أو الخارج وخرجوا بنتائج توافقية لمعالجة القضية الليبية التي عجز عنها كل المبعوثين الأمميين الذين تم تكليفهم وآخرهم “باتيلي” الذي كشف المستور أمام مجلس الأمن عندما قدم استقالته لأسباب لخصها بأن هناك جهات محلية وإقليمية لا تريد إجراء انتخابات في ليبيا وخروج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من البلاد معطل بسبب الخلافات بين السياسيين وأن الأطراف الخمسة لم تستجب للدعوات المتكررة للمشاركة في الحوار، وهناك رغبة عنيدة من الأطراف الليبية ويقصد المتصدرين في المشهد الذين يريدون تأجيل الانتخابات إلى أجل غير معلوم .. وأن التنافس الأقليمي والدولي في ليبيا جعل حل الأزمة صعب المنال والموقع الجغرافي والموارد الاقتصادية جعل ليبيا ملعباً للتنافس الأقليمي والدولي والأكثر من ذلك الكثير جعل من باتيلي ومن سبقه يعلن انسحابه من الموقف الليبي وليس لأنه غير كفء وغير قادر على معالجة الأمور .. لم يكن قادراً على مواجهة كل هذه العراقيل وماقاله أمام مجلس الأمن دلائل تؤكد أن الضعف والقصور ليس في المبعوثين الأمميين الذين أتوا إلى ليبيا وإنما هو مصيبتنا نحن في المسؤولين الذين لا يريدون الاستقرار وتمسكهم بالمناصب من أجل ليبيا .. وصبوا جام غضهم على باتيلي ومن سبقه والبعض وصفه بالمرتشي وأنه لم يرد الوفاق ولم يعمل من أجل التوافق وغلّب طرفاً على حساب طرفٍ آخر .. وهذا كلام من كانوا سباقين إلى احتواء باتيلي .. فالمسألة بعد تجربة ثمانية من مبعوثي الأمم المتحدة خرجوا جميعهم بدون تحقيق نتائج إيجابية .. معنى ذلك أن قدرة المسؤولين لدينا ومن متصدري المشهد أراؤهم وأفكارهم أكبر بكثير من آراء وأفكار وجهود المبعوثين الذين أتوا إلى ليبيا وتنعموا بمزايا وخرجوا ولم يحققوا شيئاً سواء رجالاً أو نساءً وتم إعادة الكرة من جديد وأتت ستيفاني المبتسمة ولابد بأنها لا تخرج وتحذو حذو حليفتها السابقة . المسألة بعد كل ما حدث طوال هذه السنوات العجاف أن مشكلة ليبيا وعدم الاستقرار هو في أنفسنا نحن الذين ارتمينا في أحضان الغرب وخاصة من استمتع واستفاد من المناصب والمكاسب والهدايا والمزايا .. ولم يكن هناك مجال للتخلي عن ما حققوه من نفوذ وكنوز ووصل الحال والمجاهرة بكل وجوه باردة .. أن الاستقرار ليس من صالح المنعمين والمستفيدين ولا المهربين والمحافظة على هذه الوتيرة وكل يوم مشكلة في مكان جيوش الكترونية متمترسة في البيوت ومواقع التواصل المزيفة قادرة على قلب كل الموازين وخلق كل أنواع الإشاعات والمزيد من التوترات .. حتى لا تهنأ البلاد ولا تستقر .. والله المستعان وليبيا لن نخذلك .
* رئيس التحرير