وك غيرهم من الشعوب عرف الليبيون الغناء «صوتا منغوما» قبل أن يعرفوا «الكلام» فكان تعبيرهم عما يجول في خواطرهم من المعاني ب «الصوت المنغوم» كان «تنغيم» الصوت هو التعبير الوحيد الذي يمتلكه الإنسان ليبوح بما في خوالجه وليعبر للآخرين عما في نفسه من المعاني من خوف وحب وكراهية وفرح وحزن ف «التنغيم » هو تعبير أصيل وليس مجرد «ثوث فضفاض» للكلمة حين جاءت الكلمات ف «النغم» تعبير قائم بنفسه وهو السابق للكلمة في التعبير قبل الكلمة ف «اللحن» إذن ليس مجرد «مطاوعة» أو «مساوقة» للكلام وإنما هو تعبير سبق الكلمة فكان «التنغيم» أول «تعبير عرفه الإنسان وأبدع فيه الليبيون فابتكروا له آلات ينغمون بها ما في حناياهم من الأصوات فعرفوا آلات «المقرونة» و »الزكرة» و »الغيطة» و »الأمزاد» و »الربابة» وكلها آلات كانت من بيئتهم من الخشب وجلود الأنعام ومع مراحل التطور والتقدم وحين عرف الإنسان الكلام كان الليبيون قد اختاروا لونهم في النغم وفي الكلام الملحون المنغوم و »لونهم» هذا تأثر بهم على امتداد الرقعة الليبية من الأرض فكان يحمل خصائص حياتهم ولون بيئتهم ف نطقهم للكلمات لاشك في أنه تأثر بظروف حياتهم وظروف تكوينهم فالكلمة هي بنت المجتمع الذي يقولها وينطقها وكما تفرض البيئة والمكان على أهلها شكل ومادة اللباس ونوع وطريقة الأكل والمسكن إلخ فهي تفرض عليهم لون التعبير كلمة ونغما ولايشك أحد في الليبيين تأثروا بمخالطة غيرهم من الأجناس المختلفة عن طريق قوافل التجارة وخاصة في المدن التي كانت ترتادها «قوافل« التجارة وتقام فيها «الأسواق «الكبرى ك مدينة» مرزق» ومدينة «طرابلس» ومدينة «بنغازي» ومدن الوسط ك «واحات الجفرة» وغيرها في هذه المدن التي كانت تعج وتضج بالقوافل التي تأتي من مختلف الجهات وخاصة من أفريقيا على امتدادها ومن جزيرة العرب بكل ألوانها ومن وراء البحر من أوروبا .. وكانت تأتي تحمل البضاعة وتحمل معها فنونها وتعابيرها وشكل لباسها وبعض ألوان أكلها وهكذا تتلاقح الأذواق في التجارة والأسواق فيولد فن وتعبير يحمل لون أهله الأصيل ويحمل ألوانا متداخلة طرأت عليه من تلاقح العقول والأذواق في الأسواق وفي ليبيا كانت مدينة مرزق في قديمها سوقا دائما لايكاد ينقطع ومهرجانا سامرا عامرا لايكاد يتوقف حتى سمها بعض المؤرخين باسم «باريس الصحراء» ومن مرزق العامرة الغامرة الساهرة الباهرة الماهرة ومن ضجيج أسزاقها وعجيج أذواقها ولد لون سماه الليبيون باسم «المرزقاوي» ومع القوافل المتنقلة عبر «المرزقاوي» كل أرجاء ليبيا فاستقر في كل مدينة وفي كل مناسباتها بلونه مضافا عليه لون المكان الجديد فهو في شرق ليبيا كان «المرزقاوي» مزركشا بما في «برقة» من لون اللهجة وبريق غناوي «العلم» ونقرشات المجرودة إلخ وهو في طرابلس مدينة القوافل الكبرى من البر والبحر ومدينة الحضارات المتتالية من كل الألوان وحين وصلها المرزقاوي لونته بلون حاراتها وغناء «العتبي » في ازقتها المتعانقة الدافقة و »القوافل « في طرابلس لها حديث قد نؤجله حتى نلتقي في حديث جديد في طرابلس هي أم القوافل التي كانت تطوي الصحراء ذاهبة إلى أفريقيا حاملة بضاعة من ليبيا أو هي قادمة من افريقيا تحمل إليها بضاعات وعادات وفنونا يراها الطرابلسيون ويعيشونها مع أهل القافلة في «سوق الحلفا» وماجاوره وطرابلس هي باب أفريقيا وبوابتها على بر الروم أو «أوروبا » كما نقول اليوم ومن هناك جاءت عادات وملابس وفنون عرف الطرابلسيون كيف يعيدون تلوينها بلونهم وطبعها بخاتمهم وإعادة تكوينها بهويتهم ومن هنا نبتت وظخرت بعض خصائص «الغناء الليبي» في المقالة القادمة بإذن الله تعالى نتوقف مع «الغناء في ليبيا
* عمر رمضان اغنية
