سررنا كثيرا بححم المساندة والهبة الجماعية من كل مدن ليبيا وأريافها وقراها وقوفا وتضامنا مع إخوانهم قي مدينة زليتن للتخفيف من أضرار ومخاطر ظاهرة إرتفاع منسوب المياه الجوفية في عدد من مناطقها وأحيائها وتسببت في خروج عدد كبير من العائلات من منازلهم نتيجة ما لحقها من أضرار ومخاطر بيئية أدت أيضا إلى تلف الكثير من الأشجار والأراضي الزراعية. هذه الفزعة الوطنية التي ألغت كل القراءات الخاطئة والأوهام والنوايا المغرضة، وقفزت على كل حبال السوء التي ألقيت بين الليبيين ذات ليل كئيب، وأبطلت تعاويذ ومخططات الطامعين والمتربصين بالوطن وأهله. إن ما شاهدناه وعشناه من ردة فعل وطنية سريعة تجاه كارثة فيضان درنة وحراك شعبي عفوي مساند للمدينة المنكوبة ونراه يتكرر هذه الأيام مع مدينة زليتن أثبت بأننا شعب وإن فرقتنا الفتن وألاعيب الساسة إلا أن المحن توحدنا وتعيد لملمتنا كلما عصفت بالوطن الملمات واشتدت به الأزمات ،وإذا ماعدنا إلى الأحداث الدامية المتتالية التي باغتت الوطن خلال العقد الماضي وماحدث من صراعات مسلحة بين الإخوة الأشقاء في الكثير من مناطق بلادنا وما ترتب عن تلك النزاعات والقلاقل من فقدان للأرواح ونزوح وتهجير وتدمير للمنازل والممتلكات. قلت إذا ماعدنا لتلك المرحلة (التي نتمنى أن لاتعود) سنجد أن الموقف المجتمعي كان في مستوى الأحداث دائما ،يواسي أهالي الضحايا ويفتح أحضانه للنازحين ويمد يده للمحتاجين مساعدا وداعما من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي قدمت في بعض المراحل ماعجزت عن تقديمه الدولة ومؤسساتها الرسمية، فسيرت قوافل الإغاثة للمناطق المتضررة شرق البلاد وغربها وجنوبها وأينما حدث صراع مسلح أو نزاع، وعملت على جمع التبرعات والمساعدات والأدوية لمن يحتاجها، وضربت مثلا على تماسك اللحمة الوطنية وقوة الترابط المجتمعي ومتانة الروابط التي تجمع بين أبناء وطن أوقعته الأقدار في أيدي العابثين. ولعل ماميز فزعة كل اللببيين هذه المرة مع أهالي مدينة زليتن .. الفزعة العلمية التي جاءت من عدد كبير من الجامعات والأقسام العلمية والمراكز البحثية التي تنادى الكثير من منتسبيها بمختلف تخصصاتهم ومجالاتهم المعرفية وانتظموا في العشرات من المناسبات العلمية على شكل حوارات وندوات وورش عمل تناقش ظاهرة ارتفاع منسوب المياه الجوفية وتقترح الحلول والتصورات للتخفيف من أضرارها ومخاطرها البيئية والنفسية والاجتماعية فكان الجميع حاضرا بأدواته البحثية )خبراء في جيولوجيا التربة والمياه، وجغرافيين ، ومهندسين معماريين ،وأساتذة في الإجتماع وعلم النفس ومختصين في الأزمات والكوارث البيئية والطبيعة( وهدف الجميع رفع الضرر عن هذه المدينة وأهلها وكانت رسالة واضحة وبليغة ملخصها بأن خبراء وعلماء وبحاثة البلاد على قلب واحد وإن اختلف الساسة وتصارع الدخلاء والعابثين، هذا من جهة ومن جهة أخرى أثبتوا بأن في ليبيا عقولا فاعلة وقادرة على سبر هذه الظاهرة المفاجئة والغريبة واقتراح الحلول للتخفيف من أضرارها وتبعاتها على المدينة وأهلها مثبتين أيضا بأننا لم نعد بحاجة إلى الحلول المستوردة على الأقل فيما يخص هذه الظاهرة مؤكدين على أن خبراء ليبيا وعلمائها أدرى بشعابها.
* الفيتوري الصادق