في تمانينات القرن الماضي لم تكن الأوضاع الاقتصادية في ليبيا كما يجب ونتيجة لذلك فقد اصحاب رؤوس الأموال ثقتهم في الدولة رغم أن الدولة كانت فارضة سيطرتها على كل مجريات الأمور وباسطة سيادتها على كامل التراب الليبي من غربه إلى شرقة ومن جنوبه إلى شماله وبناء على جملة من المعطيات في تلك الفترة استحوذ أصحاب رؤوس الأموال على ما هو متوفر لديهم من سيولة نقدية في البلاد وأودعوها في خزائنهم الخاصة بعيدا عن سيطرة الدولة وخارج الرقابة النقدية للمصرف المركزي تماما كما هو الحال اليوم .. فما كان من الدولة والقيادة السياسية آنداك إلا أن اتخذت قرار بإلغاء العملة المطروحة للتداول في تلك الفترة واستبدالها بعملة جديدة ووضعت جدول زمني محدد لقبول إيداعات العملة القديمة كما وضعت ضوابط على السحب من العملة الجديدة فوجد من كانوا يحتفظون بمبالغ كبيرة في بيوتهم أنفسهم أمام الأمر الواقع إذ ليس أمامهم من خيار سوى المبادرة بإيداع ما لديهم من مدخرات وأموال في المصارف حتى وإن كانت ضئيلة في أسرع وقت ممكن إذ أن أي تأخير في ذلك من شأنه أن يجعل ما احتفظوا به من أموال في خزائنهم الخاصة كعدمها ولا قيمة لها. وفي ظرف فترة وجيزة استطاعت الدولة استعادة سيطرتها على كمية النقد المتداولة داخل وخارج البنوك والتحكم في إدارتها .. اليوم ومنذ 13 عام الدولة عاجزة تماما عن التحكم في إدارة النقد واستحوذ أصحاب رؤوس الأموال على المليارات في خزائنهم لانعدام ثقتهم في الدولة من جهة ورغبتهم الملحة في القيام بدور الدولة عن طريق السيطرة على ما موجود في خزائنها من النقد الأجنبي من جهة أخرى وقد نجحوا في ذلك إلى حد كبير وهو ما انعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية ونال من قوة الدينار الليبي وارتفع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار الليبي بشكل مستمر، فليس هناك دولة بالمعنى الحقيقي للدولة تستطيع إدارة سياسة مالية رشيدة وليس هناك مصرف مركزي يستطيع التحكم في إدارة السياسة النقدية ومراقبة تداولها في السوق كما يجب وبناء عليه
سوف تستمر قوة الدينار الليبي في التآكل إلى حد كبير وتزداد الأوضاع الاقتصادية ترديا إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن والحل ليس بسيط وليس سهلا في ظل اضطراب الأوضاع المحلية والإقليمية وحتى العالمية، لكنه يكمن في استعادة الدولة لممارسة سلطاتها وسيطرتها على السياسة المالية والنقدية والتحرر من سيطرة رؤوس الأموال على مواردها المالية والنقدية عبر اتخاذ قرارات مشابهة للقرارات التي اتخدت في ثمانينات القرن الماضي رغم اختلاف الزمان والرجال ووضوح الفرق بين الدولة واللا دولة.
■ عبدالله سعد راشد