ظهر تعبير(تسونامى) على مستوى كبير وتم تداول الكلمة اعلاميا بعد كارثة سواحل اندونيسيا عام 2005م ، يومها وقع دمار هائل على ساحل «باندا آتشيه لا «بسومطرة، في دولة إندونيسيا ، حيث غمرت امواج المحيط مناطق شاسعة من الساحل وتسببت الامواج المرتفعة في وفاة الآلاف وتدمير مدن وقرى بكاملها واغراق سفن ومراكب كثيرة ، ومن وقتها بدأ العالم يستخدم تعبير تسونامي للدلالة على ارتفاع مفاجئ وخطير في مستوى مياه البحر ووصول مياه البحر الى اليابسة وتدمير الحواجز والمباني ، وقد حدث في اليابان ودول اخرى ان تكررت هذه الظاهرة ولكن بمستويات مختلفة ، ويعتبر التسونامي المدمر الذي ضرب اندونيسيا عام 2005 م ،لا هو الأعنف والأقوى على الإطلاق ، فعندما تصل ذروة موجة التسونامي إلى الشاطئ، يصبح الامر كارثي وخارج عن السيطرة ، فالتسونامي لا هو عبارة عن سلسلة من الموجات
العاتية التي نتجت عن اضطرابات تحت سطح البحر ، ولها عادة كما يقول العلماء علاقة مع الزلازل وحركة طبقات الارض في الاسفل او بالقرب من قاع البحار او المحيطات ويمكن ان تتسبب ثوران البراكين والاعاصير والانهيارات الارضية وتساقط الصخور الساحلية وذوبان الكتل الجليدية ، يمكن ان تتسبب في توليد موجات
تسونامي ، وهكذا اصبح التعبير شائعا اعلاميا ويدل على طفح مياه البحر وغمرها للشواطئ والمناطق
الساحلية ، وفى بلادنا نواجه هذه الايام امر غريب يشبه الى حد كبير ظاهرة التسونامي الباطني بتعبير الاكاديمي والإعلامي (د حامد ابوجبيرة) الذى وصف غمر المياه الجوفية لمناطق شاسعة في منطقة زليتن بأنه تسونامي تحت أرضى فريد ، وقال الدكتور حامد : ان تسونامي هو حركة امواج سطحية فوق مستوى البحر بينما ما حدث في زليتن هو امر معكوس إذ يبد انه حركة امواج باطنية تحت سطح الارض وكأنه امواج مكتومة وجدت طريقها بين تشققات الطبقات الارضية التكوينية نتيجة لعدة عوامل منها تجريف الرمال والمحاجر وقطع الاشجار، وتغيير مسارات بعض الاودية ومواضع السدود ، مما زاد في عوامل التعرية وصنع هشاشة في بنية تماسك القشرة الأرضية بالمنطقة مما ادى الى اختلاف في مستويات الضغط بين مياه البحر والمياه الجوفية تحت سطح الارض ، ورغم ان المشكلة وصلت الى درجة كبيرة من الخطورة وتسببت في فقدان العديد من المواطنين لبيوتهم وهجرانها ونزوحهم بسبب طفح المياه التي اختلطت بالمجاري وبالمياه السطحية وما نتج عن ذلك من تلوث ودمار وهلاك للمنازل وصعوبة العيش فى مثل هذه الحالة ، بسبب تدفق المياه الجوفية من باطن الأرض وفيضانها داخل مدينة زليتن وضواحيها ، وحتى الساعة لم يتم معرفة السبب ،رغم استنجاد الحكومة بخبراء أجانب لحل هذه الظاهرة الطبيعية غير المسبوقة، ومعرفة اسبابها وتوصيفها فهذه الظاهرة التي أصبحت تشكل كارثة إنسانية وبيئية ، جعلت مدينة زليتن تسبح فوق بحر من المياه الملوّثة، وهو ما أجبر السكان على النزوح إلى مدن أخرى، وسط مخاوف من انهيار البنية التحتية بالمدينة وتفشي الأمراض، فيما فشلت الجهود حتى اللحظة في خفض منسوب هذه المياه، حتى
إن الأمر يزداد سوءا يوما بعد يوم ، وقد تم الاستعانة بفرق وخبراءر من بريطانيا ومصر لمعرفة سبب المشكلة وايجاد طرق لعلاجها ، وبحسب فريق الخبراء البريطاني الذي زار المدينة، فإن تشخيص وتفسير هذه الظاهرة يحتاج إلى دراسة دقيقة حتى تتم معالجتها بطريقة جذرية، حيث طلب وقتا يصل إلى 4 أشهر حتى يتم الوقوف على الأسباب وطبيعة المشكلة ومن ثم وضع الحلول، فيما لم يعلن بعد فريق الخبراء المصري عن أسباب ارتفاع منسوب المياه الجوفية في المدينة وسبل معالجتها. فيما ارتفعت اصوات مختلفة داعية الى ضرورة توحيد كافة الجهود من أجل التعامل مع أزمة زليتن في كافة جوانبها وعدم العمل بشكل
فردي أو بطريقة غير علمية أو مهنية، و مع انتشار اخبار قد تكون مبالغ فيها عن ظهور تسرب مماثل للمياه الجوفية في منطقة بئر الغنم غربي مدينة طرابلس فإن القلق والخشية بدأت تظهر بين الناس كما ظهرت الاشاعات والكلام غير المسؤول ، حتى ان البعض وعبر وسائل التواصل الاجتماعي بدأ يتحدث عن كارثة شاملة قد تصيب بعض مناطق الشريط الساحلي الليبي واستندوا في ذلك على تكهنات ومعلومات غير دقيقة وادما يسمى بالأخبار الزائفة « الفيك نيوز « وهو الامر الذى يتطلب تدخل فعلى من مؤسسات الدولة
لطمأنه الناس والرد على هذه الاشاعات التي تزرع البلبلة والقلق ، وان يُترك الامر للمختصين وان يتوقف من لا يعلم عن الإدلاء برأيه الخاص في امور يجهلها ، ويخشى الليبيون أن يؤثر الانقسام والتنافس على إدارة أزمة مدينة زليتن، على معالجة هذه الكارثة وحماية السكان وممتلكاتهم من أخطار وآثار هذه المياه، وبعيدا عن التهويل وكلام الشارع فإن السؤال المهم هو : اين خريجي الجيولوجيا من الجامعات الليبية ؟ اين مراكز الدراسات والابحاث الليبية ؟ اين أساتذة ودكاترة علم الجيولوجيا وطلاب الدراسات العليا في مجال الجيولوجية؟ كما ان الاستنجاد بالخبراء الأجانب من بريطانيا ومصر وغيرها من الدول هو اهانة للمكون العلمي الليبي ، وتجاوز غير منطقي للعقل الليبي ، فالباحث الليبي والخبير الجيولوجي الليبي ، وكليات العلوم واقسام الجيولوجيا في المؤسسات التعليمية الليبية وجامعاتنا مدعوون جميعا للتفكير في ايجاد حلول لمشكلة تسرب المياه الملوثة في منطقة زليتن ، وبعيدا عما يتردد في صفحات التواصل الاجتماعي وجلسات الليبيين فالأمر بالغ الخطورة ويحتاج الى وقفة جادة للحيلولة دون حدوث مأساة جديدة قد تجعل ليبيا منطقة منكوبة بشكل غير قابل للجدل ، لقد تحدث البعض عن سيناريو خطير يتربص بالشريط الساحلي كله ، وهذا امر غير وارد كما يقول المختصون ، ففي كارثة زليتن ارجع البعض سبب المشكلة الى تجريف الرمال من قبل التجار والبعض ارجع المشكلة الى محاجر الطوب الابيض (البلوك)حيث تم استنزاف الجدار العازل بين اليابسة ومياه البحر ، وهذا امر محدود ولم يتجاوز منطقة زليتن ، وبالتالي فبقية مناطق الشريط الساحلي لم تتعرض للتجريف والحفر ، غير ان اسوأ ما يتردد هو ان الامر له علاقة بوضع السدود
والاودية التي تعرضت للإهمال ، وقال آخرون ان الامر يعود الى عمليات اجتثاث الغابات وهو ما تسبب في زيادة عامل الزعزعة لتماسك التربة وزيادة هشاشة الارض ، وهى عوامل ساهمت مجتمعة في تحويل اجزاء من الارض الى مستنقعات واختلطت بمياه الصرف الصحي وأفسدت مياه الآبار الصالحة للشرب ، لكن الأخطر في كل السيناريوهات التي تتردد هو ان ما حدث هو نتيجة مباشرة لحدوث صدع ارضى لم يعلن عنه في منطقة بحر ايجه نتيجة لتكرار الزلازل خصوصا وان تلك المنطقة هي منطقة حزام زلزالي وبركاني تحت مائي ، وهى المنطقة التي تقع بالقرب من شواطئ اليونان ولأن الساحل الليبي له علاقة مجاورة بتلك المنطقة وهو يعانى من انخفاض شديد فتسبب ذلك في تسرب مياه البحر الى الجانب الليبي ، وهكذا تكثر التخمينات وتزداد المخاوف ولن تتوقف الا بتشخيص علمي ومهني يفسر سبب هذه الكارثة التي حلت
بمدينة زليتن الحبيبة ، فاللهم احفظ بلادنا وانعم علينا بالسلام واحفظنا من كل شر وابتلاء .
* د. أبو القاسم عمر صميدة