مقالات

المؤسسات الصحية والثقة المفقودة

.. الدول الكبرى التي تمتلك إمكانيات تقنية متطورة وادارات طبية معدة اعدادا جيدا قد لا يحتاج مواطنيها للعلاج خارج دولتهم .. ولكن أغلب الدول تضطر لعلاج بعض مرضاها بإيفادهم للخارج خاصة في بعض الأمراض التي تتطلب تقنيات طبية متقدمة الأمر برمته متعلق بإمكانيات هذه الدولة أو تلك ومستوى تطور مؤسساتها الصحية .. ولكن أن يصبح العلاج بالخارج موضة أو نوعا من الضرورة حتى ولو توفر العلاج بالداخل فذلك أمر محير ويحتاج إلى وقفة جادة لتعزيز ثقة المواطن في مؤسساته الصحية .. اعتقد إن لدينا من الكفاءات الطبية المتخصصة ما يضاهي خبرات دول متقدمة .. واعتقد أيضا إن لدينا من المؤسسات الصحية العامة والمتخصصة القادرة على علاج أغلب الامراض بالداخل إلا القليل منها .. ورغم ذلك فإن أغلب المواطنن وما إن يصاب أحد أفراد الأسرة بمرض ما حتى تتعالى أصوات الأقارب بضرورة نقله إلى أحد الدول لعلاجه هناك .. ولا أدري هل هذه الظاهرة تعكس عدم ثقة المواطن في مؤسسات بلده الصحية ..؟ أم إن العلاج بالخارج تحول إلى ثقافة أدت إلى هذا السلوك اذي لا يعكس إلا غياب الروح الوطني اهتزاز ثقة المواطن بإمكانيات بلده .. لدينا الكثير من الأطباء العاملن بالداخل مشهود لهم وطنيا وعربيا بالحذق والمهارة كل في مجال تخصصه بل إن الكثير من الأطباء خريجي كليات الطب بالداخل والعاملن الآن بمؤسسات صحية بدول متقدمة أصبحت لهم شهرة عالمية إما لكفاءتهم أو لتميزهم بتطوير بعض وسائل وطرق علاج امراض معينة .. إذن ما المبرر للعلاج بالخارج لأمراض متوفر علاجها بالداخل ..؟ ولماذا نتكلم عن توطن العلاج بالداخل ونحن على يقن بأننا سنصطدم بهذه العقلية التي ترى العلاج في الخارج ضرورة دون اعتبار الإمكانيات المتاحة بالداخل .. نحن نعلم جيدا كيف تحولت المؤسسات الصحية بالخارج إلى تجارة غايتها الربح فقط دون النظر إلى الطبيعة الإنسانية التي يستند إليها الطب بشكل عام .. هذه المؤسسات وللأسف أصبحت تمارس سلوكا ضد المرضى يصل إلى درجة الابتزاز المرفوض والاستغلال الرخيص لآلام المرضى ومعاناتهم .. حدثني صديق سافر إلى أحدى الدول لعلاج والدته من ورم بالقولون قال دفعت مبلغا خياليا بعملة تلك الدولة مقابل الكشف والإيواء حتى أصبحت على حافة الإفلاس يقول ذات يوم كنت جالسا بحديقة المصحة عندما أقبل نحوي طبيب .. سألني وهو يجلس على المقعد بجانبي من لديك بالمصحة قلت .. والدتي تعالج من ورم بالقولون .. زحفت سحابة من الأسف على قسماته وقال بعد لحظة صمت قصيرة .. لا أدري يا أخي ما يدعوكم للحضور هنا لعلاج هذا المرض وكل الظروف مهيأة لكم في بلدكم .. وخاصة أغلب أنواع الأورام لديكم مركز الأورام بصبراتة يعتبر من المراكز المتقدمة في العلاج بما يحتويه من دكاترة مؤهلن ومتميزون نحن نستشيرهم في بعض الحالات التي تعترضنا هنا لأخذ رأيهم العلمي .. كما إن الكثير منا تلقى محاضرات حول هذا الداء هناك .. عاد الصديق بوالدته لتستكمل العلاج بنجاح بالداخل بعد أن تردت حالتها هناك رغم المشقة التي عانتها والمبلغ المبالغ فيه الذي صرف عليها .. ومن خلال تجربة شخصية مع هذا المرض لمست كيف يتم علاج الأورام بهذا المركز المتطور والذي ربما لا يعرف قيمته أغلب الليبين فقد قررت أن تعالج زوجني من السرطان بمركز الأورام بصبراتة وعلى مدى عام ونصف أجريت لها كافة الفحوصات ثم عملية جراحية لاستئصال الورم وقبلها جلسات الكيماوي وأشعة الليزر وكانت الإقامة مع مرافق بفندق داخل المركز خصص لهذا الغرض مع الاعاشة وكل ذلك مجانا .. وقد تكللت عملية العلاج بالنجاح وبأقل التكاليف .. ومن خلال صحيفة الوقت أتقدم بوافر تقديري إلى كل العاملن بمركز صبراتة للأورام على تفانيهم واخلاصهن ومنهيتهم العالية في التعامل مع المرضى .. وأقول لأهلنا في ليبيا إن الثقة في مؤسساتنا الصحية وكوادرها الطبية ضرورة وطنية لنقلل من العلاج في الخارج إلا للأمراض التي لا يوجد علاجها بالداخل وذلك لتجنيب المرضى ومرافقيهم الكثير من المعاناة والتكاليف المالية الباهظة.

■ عبدالله مسعود ارحومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى