…. مع نهاية العام وبداية العام الجديد .. تبدو الساحة مليئةً بالتحليات والتقارير التي توثق ما جرى من أحداث سياسية وعسكرية، كأن العالم كله اختُصر في صراعاته وأزماته. لكن بين هذا الضجيج، هناك قصة أخرى لا تُروى بالقدر الكافي، قصة الجانب النبيل الذي يعكس جوهر الإنسان ورسالته الأسمى.عام 2024 كان عاماً مليئاً بالتحديات، ولكن كان أيضاً مساحةً واسعةً لبذور الخير التي زرعها البشر في مختلف بقاع الأرض. لا نتحدث هنا عن انتصارات الجيوش أو تحركات الساسة، بل عن الانتصارات الصغيرة التي لا حُصُى، تلك التي تُشكل روح الحياة وتُعيد الأمل إلى النفوس. في هذا العام، شهد العالم عقولاً مبدعة سخّرت طاقاتها لتحسن جودة الحياة، من اكتشافات علمية تهدف إلى علاج الأمراض المزمنة، إلى ابتكارات تجعل الحياة أسهل للفئات المهمشة. كان هناك جنود مجهولون يعملون خلف الكواليس، أطباء ومهندسون ومعلمون ومتطوعون، قدموا وقتهم وجهدهم لإضاءة ظلمات الآخرين. في الأحياء الفقيرة حيث يُصارع الناس للبقاء، كانت هناك مبادرات إنسانية لتوفير الغذاء والماء والتعليم. في مناطق الحروب، ظهرت يد السلام التي تضمّدت الجراح. وفي زوايا أخرى من العالم، اجتمع الناس على اختلاف أديانهم وثقافاتهم لإحداث تغييرٍ حقيقي، ولو كان بسيطاً، في مجتمعاتهم. دعونا لا ننسى أن 2024 كان أيضاً عاماً للوعي. وعيٌ بقيمة الأرض والبيئة التي نعيش فيها، حيث ازداد العمل على مبادرات الاستدامة ومكافحة التغير المناخي. شبابٌ وشابات من مختلف الأعمار والثقافات أطلقوا حملات لزرع الأشجار، لتنظيف البحار، ولحماية الحياة البرية، وكلها جهود تُعبر عن انتماء الإنسان لكوكبه ومسؤوليته تجاهه. ليس من السهل أن نرى الجانب المشرق وسط عتمة الأخبار السلبية، لكنه موجود. هو موجود في كل طفلٍ حصل على فرصة للتعليم بعد سنوات من الحرمان، وفي كل أمٍ تمكنت من تأمن قوت يومها بفضل دعم إنساني، وفي كل عالمٍ لم ييأس من البحث رغم قلة الإمكانيات، وفي كل يدٍ امتدت لتساعد با مقابل. حينما ننظر إلى عام مضى، علينا أن ندرك أن الجزء الممتلئ من الكوب لا يقل أهمية عن فراغه. نعم، هناك معاناة وهناك صعوبات، لكن هناك أيضاً أملٌ يتجدد مع كل خطوة نخطوها نحو الإنسانية الحقة. ونحن نستقبل عاماً جديداً، دعونا نضع نصب أعيننا أن الأمل لا يُنتظر، بل يُصنع. وأن كل واحد منا قادر على أن يكون شمعةً تضيء، حتى وإن كانت الإضاءة في ركنٍ صغير. دعونا نتذكر أن قيمة الإنسان ليست فيما يملكه، بل فيما يُقدمه، وأن العالم يصبح أجمل حينما ننظر إليه بعن التفاؤل والعمل. عام 2024 كان شاهداً على صراعات، لكنه كان أيضاً شاهداً على صمود الإنسان ورغبته في التغيير. فلنحمل هذه الروح معنا إلى العام الجديد، ولنجعل من كل يوم فرصةً لنُعلي شأن الإنسانية ونُضيء الطريق للأجيال القادمة.
■ الدكتور خليفة العتيري