كثيرا ما يقطع لحظات الخشوع والسكينة، ما يعكر صفوة الأجواء الروحانية داخل المساجد . ففي حادثة وقعت المدة الماضية بأحد المساجد خلال صلاة المغرب، تجسد فيها الصراع بين الروحانية والتكنولوجيا. فما إن انتهى الإمام من التسليم حتى انطلقت صرخة قوية مدوية من أحد المصلين من الصفوف الأمامية. كان صوته مليئًا بالغضب، وهو يوجه حديثه للجالسين ، صارخًا بأعلى صوته قائلا : ((“يا أخي، أغلق هاتفك! أنت الذي فاتحه .. 100 مرة، قلنا لكم: أغلقوا الهاتف، أغلقوا الهاتف…”)) تسارعت الأنفاس وتغيرت تعبيرات الوجوه، وكأن الجميع يبحث عن صاحب الهاتف الذي لم يعلن عن نفسه. في تلك اللحظة، انتقلت الأجواء من الهدوء إلى الفوضى، وتوقفت الألسن عن التسبيح وعم الضجيج أركان المكان. حتى أولئك القاعدين في الخلف الذين لم يسمعوا رنين الهاتف، بدأوا بهمسات استفسار جراء الصرخة القوية التي نبهت إلى وجود إزعاج سببه رنين هاتف مجهول صاحبه . تستحضر هذه الحادثة ذكريات الزمن الجميل . إن هذه الحادثة تدعونا للتفكر في كيفية التعامل مع التكنولوجيا في حياتنا اليومية، وخصوصًا في أماكن العبادة.. هل يمكننا إيجاد توازن بين استخدام الهواتف الذكية والاحتفاظ بقدسية اللحظات الروحية؟ يجب علينا جميعًا أن نتذكر أن المساجد هي أماكن تتطلب الاحترام والهدوء. رحم الله تلك الأيام التي كانت فيها المساجد ملاذًا للسكينة والخشوع ، قبل أن تدخلها التكنولوجيا وتقنيات العصر اذكر حينها كانت ساعة الحائط في جامعنا العتيق تدق عند كل ساعة، وتعلن على الوقت برنات متواصلة بعدد الساعات بينما كان المصلون يؤدون عبادتهم دون أي انقطاع ويصلون وهم ، غارقون في خشوعهم دون مراعاة لناقوس الساعة ودقاته المتواصلة . ما نراه اليوم في المساجد يجب ألا يحدث، فالمساجد يجب أن تبقى ملاذًا للسكينة والطمأنينة والخشوع. رغم التحديات التي تفرضها التكنولوجيا وهذا يستدعي منا جميعًا الانتباه، لنستعيد روح العبادة الحقيقية التي ينبغي أن تتحلى بها الأماكن المقدسة . حتى نجعل من مساجدنا أماكن للهدوء والسكينة، بعيدًا عن صرخات الغضب وأجراس الهاتف.
■ عبدالرزاق يحيى