مقالات

لعبة الألوان لفرض الكيان

في عالم السياسة لا تقتصر أهمية استخدام الألوان على التعبير الفني بشتى انواعه في مجالات الفنون التشكيلية بل تمتد أهمية استخدام هذه الألوان لتشمل مجالات العمل السياسي والدبلوماسي بالذات الدولي حتى انها دخلت مجال ترسيم الحدود الجغرافية الافتراضية الوهمية لينطلق منذ منتصف القرن الماضي ترسيما لحدود جغرافية في منطقتنا ذات الوان مختلفة منها اللون الأخضر والبنفسجي والأزرق لتؤكد واقع جيوسياسي مرتكزا على الظلم والاغتصاب لأراض الغير مستندا في ذلك على قانون القوة لا قوة القانون تحت زعم تحقيق بعض الاستقرار المؤقت او إيقاف لإطلاق النار . ولعل ما تم سنة 1948م من فرض هدنة بين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية عندما قامت الأخيرة بالاعتداء المسلح على الأمنين الفلسطينيين في ديارهم الامنة ونزع أراضيهم بالقوة في وضح النهار وعلى الفور بعد هذه الهدنة قامت الأمم المتحدة بفرض ترسيم حدود وهمية اطلق عليها الخط الأخضر والذي شكل بداية التوسع للكيان الصهيوني بأرض فلسطين انطلاقا من سياسة الامر الواقع المبنية على وقف اطلاق النار المؤقت وضمان الاستقرار المفقود مرسخة واقعا اليما لم يبقي من ارض فلسطين الا عشرين في المئة من حق الفلسطينيين في ارضهم . وظل الخط الأخضر الوهمي الذي رسمته هذه المنظمة بمثابة السجن بالنسبة للفلسطينيين، لتنتقل الوصاية بعد ذلك للحكومة المصرية على غزة والضفة الغربية لحكومة المملكة الأردنية الهاشمية وبالتالي ليسلب حق الفلسطينيين بالسيادة على ارضهم بالكامل ويتحقق حلم شذاذ الافاق الصهاينة في وضع حجر الأساس لدولتهم العنصرية وفقا لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة رقم 181. وفي عام 1967 م عندما حاول تحالف النظام العربي خوض معركة 5 يونيو بمشاركة كل من مصر والأردن و سوريا ومني هذا التحالف بهزيمة في حرب لم تتعدى 6 أيام وبمجرد تداول الأمم المتحدة لهذا الموضوع تم رسم خط الحدود البنفسجي الوهمي بين كل من سوريا والكيان الصهيوني ليخضع الجولان للتقسيم ويبقى جبل الشيخ تحت السيادة السورية في ظاهرة لم يسبق لها مثيل في التاريخ حيث ان الجولان ارض سورية باعتراف الأمم المتحدة . ومع بداية هذا القرن انتقل الامر على الحدود اللبنانية مع الكيان الصهيوني الى صدارة الاحداث خاصة مع تصدي حزب الله الى اختراقات العدو الصهيوني واحتلاله لمزارع شبعا لتتخذ الأمم المتحدة في سنة 2006 أي بعد انتصار المقاومة اللبنانية وهزيمة جيش الكيان الصهيوني قرارا برسم حدود وهمية باللون الأزرق وتضع فيها قوات اليونيفل معتبرة ان هذا الخط الحدودي الوهمي خطا دوليا بين كيان مصطنع و دولة عضو في الأمم المتحدة هي لبنان. وتستمر لعبة الحدود الملونة من حين الى اخر بإرادة الأمم المتحدة وتحت ضغوط الدول الغربية حليفة الكيان الصهيوني في فرض الظلم والاستبداد حتى وصل الى ما الت اليه الأمور اليوم من مأساة إنسانية لإبادة جماعية للفلسطينيين وللسوريين واللبنانيين على تلك الحدود ذات الألوان المختلفة بين الأخضر والبنفسجي والأزرق الى اخره في وقت يكتفي فيه المجتمع الدولي لتتبع هذه الأحداث ونشرها وإدانتها دون تحريك ساكن تجاه هذا الظلم الذي يتم فيه تصفية اكثر من سبعة مليون فلسطيني بين قتيل على ارضه او طريد منها وكذلك الحال بالنسبة لسكان الجولان وسكان جنوب لبنان.

■ الدكتور : محمد شرف الدين الفيتوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى