الفشل والإحباط واليأس ، كلها صارت منتجات عربية مائة بالمائة لاتقبل المنافسة أو التقليد ، ولامجال للخروج منها أو هكذا اصبحنا نعتقد ! ربما المحن والنكبات والهزائم التي ألمت بنا هي التي جعلتنا نتوهم ، أن كل ما نعانيه هو نتيجة ما يحاك لنا من مؤامرات ، حتى استوطنت ما يعرف بنظرية المؤامرة العقل العربي الباطن ، وبتنا نؤمن أنها حقيقة لا تقبل الشك أو الجدل أو حتى النقاش ! فهل نحن فقط كعرب الجنس البشري الوحيد الذي تعرض للنكبات والهزائم ؟! بالطبع لا ، فهناك العديد من الشعوب في العالم قد تعرضت إلى مآس أكبر مما تعرض له العرب والمسلمون ، ولعل الحروب الأهلية التي اجتاحت أوروبا وأكلت الأخضر واليابس وأتت على كل شيء تقريبا هي الأقرب إلى الذاكرة ، لكن تلك الشعوب لم تركن إلى اليأس ولم يتسرب الإحباط في أوصالها ولم تلق ، بمأساتها فوق ظهر نظرية المؤامرة ، وإنما أعادت صياغة الحياة ، لتنهض من جديد .. فما هي الأسباب إذا التي جعلت العرب ، ومنذ إبرام معاهدة سايكس بيكو في العام 1916 يلقون بكل إخفاقاتهم على عاتق المؤامرات الخارجية ، على الرغم من أن التاريخ يؤكد أن العرب إبان توقيع المعاهدة ، كانوا مجرد إيالات ومناطق نفوذ وأقاليم ترزح تحت الحكم العثماني والانتدابات الغربية ولم تكن دول مستقلة أصا ! وهل الفكر العربي والإسامي بالذات قاصر على تلمس هذه الأسباب ؟ قد تكون هناك أحداث حصلت وجلبت كل هذا اليأس والإحباط والشعور بالضعف والهوان وساهمت في تسللها إلى العقل العربي الباطن ، ودخلت فى تكوين الشخصية العربية الخائفة والمترددة وشعورها بالنقص أمام الآخر ، ولكن هل يجب أن تكون هذه الأسباب شماعة نعلق عليها تخلفنا الفكري وعجزنا على ارتياد مدارج البحث ومقارعة الآخرين في ميادين العلم والمعرفة ؟ نعم التآمر موجود منذ بدء الخليقة ؛ لكن لا يمكن أن يكون سببا في كل إخفاقاتنا ، فالشركة التي تعلن إفاسها مثا ليس بالضرورة أن يكون إفاسها بسبب مؤامرة من خصومها عليها، فقد يكون سبب إفاسها هو سوء إدارتها ، والجيش الذي يهزم قد يكون نتيجة خططه التكتيكية الضعيفة أو لوجود عماء داخله ينقلون تحركاته للعدو ، وكذلك الدول تنهار وتسقط ليس دائما بمؤامرات خارجية ، فاستشراء الظلم وفقدان الأمن والفقر والتخلف وعدم القدرة على تسيير شؤون الدولة، وتوفير الكرامة للمواطن وفساد الإدارة ، هي أيضا اسباب مباشرة في السقوط . لذا علينا أن نبدأ بالإصاح من الداخل بتحرير العقل العربي من كل الخرافات ، وتوفير البيئة الصالحة للبحث والابتكار بدل إلقاء المسؤولية على أي طرف آخر مجهول ، فأغلب شعوب العالم تعرضت للهزيمة ولاستعمار وإلى نهب ثرواتها ولكنها عادت لبناء ذاتها بفضل قدرتها على تفهم واستيعاب المتغيرات التي شهدها العالم في مختلف مراحله التاريخية ؛ كما علينا أن ندرك أننا نعيش فى عالم متقلب لامكان فيه للضعفاء والمترددين ، يجب علينا ترك الماضي ، وننطلق نحو المستقبل ، فالآخر ليس أفضل منا ، والعرب يملكون كل أدوات العصر؛ فقط لو يبتعدوا عن نظرية المؤامرة ، وبأن العالم يغير منهم ويحسدهم على ما يرفلون فيه من حياة باذخة !
■ عون ماضي