يا مطر صبي صبي
انتظرنا الغيت النافع كثيرا وتألمنا لغيابه عنا طويلا وصلينا صلاة الاستسقاء جميعنا السراق منا والمرابون ورقاد الريح منا وتقدم شيوخنا الصفوف بتوجهاتهم وانقساماتهم المذهبية رفعنا أيدينا لله العلي القدير؛ ومع ذلك أصبحنا نقنط من رحمة الله وأصبحت الكآبة تعلو وجوهنا؛ وقد نسينا أن رحمته قريبة وأنه أقرب إلينا من حبل الورد، ولهذا لم تدم أسابيع حتى انهمرت المياه فوق رؤوسنا لتبشرنا بقدومه وخرجنا نغني ونردد ما تعلمناه ونحن في الصغر أنشودة يا مطر صبي صبي … صبي على حوش الليبي.. والليبي ما عند شيء.. كان معيش عمي البي» مع التحريف البسيط» وفعلا انهمرت علينا المطر بقوة لم تكن معهودة من قبل وارتفعت كمية المياه على بعض المناطق حتى فاقت ما تستقبله تلك المناطق في ظرف سنة كاملة، وقبلها بأيام بل بأسابيع أبلغتنا المراصد الخاصة بالتنبؤات الجوية بما فيها المرصد التونسي الذي حذر الليبيين بكميات الأمطار التي ستسقط على الساحل الغربي كما حددوا لنا سرعة الرياح واتجاهاتها، وفجأة تحولت طرابلس وبعض المدن الأخرى إلى بحيرات ضخمة من المياه العذبة وأصبحت السيارات في الطريق السريع تعوم وكأنها أسماك حوت وأقفلت بالوعات الصرف الصحي بما وضعنا فيها من مخلفاتنا وقمامتنا؛ وأظهرت المياه عمق تخلفنا وسوء تخطيطنا وفساد إداراتنا وأجهزتنا وضعف حيلة المواطن المسكين؛ على الرغم من أن هذا الدرس مكرر منذ سبعينيات القرن الماضي؛ إلا أننا لا نعي الدروس ومصائب الرشوة والفساد الإداري والسوس الذي ينخر مؤسساتنا وما يترتب عليه من تخلف ومصائب تصل المرتشي نفسه في بيته وشارعه ومدينته قبل غيره، فعندما يسلم الأمر لمن لا يفقهه أو يصونه ويعتبره أمانة إلاهية قبل أن تكون مكسب شخصي له ولعشيرته، ولا يعلم بأن أي ضرر لبيت مواطن مسكين سيحاسب عليه يوم الدين، فكيف يٌبني مستشفى عام في مجرى واد أو عمارة بترخيص في مجرى واٍد معروف الذات والصفات، فالماء من ربنا رحمةً وليس نقمة فما أتانا من انهيارات وانجرافات كلها من عمل إيادينا ومن أنفسنا المريضة التي لا تحافظ على المال العام ولا تعي الدروس من التاريخ وما حصل للطغاة والمجرمين من أفعالهم، هذا من جانب ومن جانب أخر نحن دولة صحراوية تعاني الجفاف وقلة الماء وعندما يرزقنا الله بماء عذب نهدره ونتركه يذهب إلى حال سبيله في اتجاه البحر، لقد تبين أن لنا أودية متعددة على طول الساحل الليبي ذات أهمية مائية ضخمة ولم نفكر في الحفاظ على هذه الكمية من المياه المهدورة من الأودية دون حفظها في سدود محكمة بشروط علمية وصيانة دورية؛ ولو كان لنا على كل واد سد لما ضاعت مياه في البحر هدرا وربما تحولت أرضينا إلى مزارع ومروج خضراء، إن الفضل يرجع لصحافة المواطن والناشطين الذين أظهروا عبر مواقعهم وصفحات التواصل الاجتماعي تعدد الأودية والتجمعات المائية والانهيارات الأرضية والفشل الإداري وتخلف خطط البلديات وسوء استعدادها لمواجهة هكذا كوارث والله المستعان.
■ الدكتور : محمد الأصفر