تطرقنا في خاتمة مقالة سابقة وفي سياق حديث عن الوعي وتطبيق المفاهيم، تطرقنا _ بالإشارة _ إلى المقارنة بين الشعوب من حيث مدى القابلية ومدى القدرة على تطبيق الوعي وتطبيق المفاهيم وأشرنا إلى المجتمعات الغربية بعد ان تحدثنا عن مجتمعنا .السؤال المطروح على طول البلدان العربية وعرضها ومنذ ما لا يقل عن المائة عام أو أكثر هو : لماذا تقدم الغرب وتراجع المسلمون ؟! وفي سبيل فك هذا « اللغز « جرّد المثقفون والأدباء والأساتذة والفقهاء والمشائخ والفلاسفة والهراطقة، جرّدوا كل ما في جعبهم من المعارف المحلية والمستوردة وشحذوا ألسنتهم ومضوا في جدل لا تُعرف له بداية ولا نهاية ..جمعوا كل المصطلحات والمفردات ، جاءوا بجميع المذاهب والمدارس والنظريات والمنقولات والمعقولات والتراثيات والحداثيات الخ .. من الكلاميات والفلسفات ، ومع كل ذلك فإنه لم يحدث شييء ولم يتغير شيء وبقيت الأشياء كلها كما كانت عليه يوم طرح هذا السؤال .نحن نعتقد بأنه إذا جئنا إلى هذا السؤال من جهة البساطة لوجدناه يفتقد إلى شيء من المنطق وذلك لأن الغرب لا يقابله الإسلام وإنما يقابله الشرق ، والإسلام كشريعة تقابله المسيحية واليهودية في الغرب وفي الشرق ، وعلى هذا الأساس فإن الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي لم يعرف التراجع ابدا ولم يشهد عليه أحد بذلك ولا يمكن ،، حتى المقارنات التي يستشهدون بها الخاصة والعامة من المنبهرين بتقدم البهرجة في الغرب والمزدرين من مناظر الخمول والكسل في الشرق، هي في الحقيقة وفي الواقع ليست في محلها أبدا، فعندما تسمع أحدهم يردد بما معناه أن الغرب قد وصلوا إلى أركان في كوكب المريخ وأن المسلمين لا يزالون يتحدثون عن أركان الوضوء، فمثل هذه المقارنة غير صحيحة بالمرة، لماذا ؟ لأن المقارنة الصحيحة يجب أن تكون إما بين العبادات في الإسلام والعبادات في الشرائع أو الديانات الأخرى ، وإما ان تكون بين مراكز بحوث الفضاء في الغرب ومراكز بحوث الفضاء في الشرق ،، فيا ترى ماذا تكون النتيجة إذا نحن قارنا بين منهج الشريعة الإسلامية وفقهاء المسلمين، ومناهج الشرائع الأخرى وفقهائهم ؟ وماذا تكون النتيجة إذا ما تمت المقارنة بين المراكز البحثية ) البحوث الفيزيائية مثلا ( هنا في مجتمعاتنا، وبين المراكز البحثية العلمية الفيزيائية التي في أوروبا فإن النتيجة التي سنصل إليها واضحة جدا وتؤكد بكل ثقة على أن العلة تكمن الجانب العلمي (التجريبي) إذ يصح لنا أن نسأل : ماذا أنجزت مراكزنا وبحوثنا هذه المراكز التي أسسناها منذ السنين والسنين وأنفقنا عليها الأموال والأموال ؟! هناك شيء آخر ،، أوروبا والغرب لا يتمتعون بالتقدم التكنولوجي فقط وانما يتمتعون أيضا بطبيعة خلابة (جنات وأنهار ووجوه حسان) وهذه لا نعتقد بأنهم حققوه بعقلانيتهم أو أنها جاءت إليهم لما فصلوا الدين عن السلطة أو لما فصلوا الدين عن الحياة !الأوروبيون باختصار أرادوا الدنيا وأعلنوها صراحة فأعطاهم الله منها تصديقا لقوله تعالى ((من أراد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب)) أما نحن فلا قلناها صريحة بأننا نريد الدنيا ولا سعينا للآخرة سعيها الذي يتناسب مع طلبها ، فبقينا لا نحن كما كان المسلمين ولا نحن كما اصبح الغرب ، وسنظل كذلك إلى أن نحدد موقفنا من الدنيا بكل وضوح .
■ عياد عبيد الله المقري