كلام في الهواء
أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أنها ستعمل على توطين الدراسات العليا بالداخل ولهذا عملت بكل جهدها على تشجيع الجامعات وأكاديمية الدراسات العليا وفروعها على فتح برامج الدراسات العليا وبخاصة المؤسسات التعليمية التي تمتلك العناصر التدريسية المؤهلة والتي تحمل درجات علمية تناسب التخصص والمستوى المطلوب؛ وعليه سارعت بعض الجامعات والكليات والأقسام المؤهلة لذلك في فتح المجال أمام الطلاب للتسجيل في برامج الدراسات العليا وإجراء الامتحانات الخاصة بالقبول والمفاضلة، وتعد كلية الإعلام بجامعة الزيتونة من أوائل الكليات الجامعية التي بادرت بافتتاح المجال أمام أعضاء هيئة التدريس والمعيدين والباحثين الذين لم يتمكنوا من الحصول على قرارات إيفاد للدراسة بالخارج والراغبين في استكمال درجتي الماجستير والدكتوراه في مجال الإعلام، وبما أن برنامج الماجستير في الإعلام في الكلية قد بدأ منذ سنوات وتخرج منه العشرات من الطلاب في تخصصات الصحافة والإذاعة والعلاقات العامة، ولهذا أعلنت هذه الكلية عن فتح برنامج الدكتوراه في مجال الإعلام لحملة الماجستير المعتمدة من الجامعات الليبية أو الأجنبية انسجاما مع هدفها في دعم وتشجيع الدراسات العليا بالداخل وتلبية لرغبة الجامعة ووزارة التعليم العالي بالخصوص ، الأمر الذي جعل أكثر من أربعين طالبا إعلاميا متقدما يخوضون سباق التأهيل العلمي للحصول على مؤهل عالي “درجة الدكتوراه في الإعلام”، وخلال الفصلين الدراسيين الماضيين استكمل عشرون منهم المواد التدريسية المطلوبة وأنهوا الامتحان الشامل ودخلوا في مرحلة أخرى وهي تسجيل عناوين أطروحاتهم وإعداد الخطط البحثية للانطلاق نحو الكتابة الأكاديمية لموضوعاتهم البحثية بإشراف أعضاء هيئة التدريس الجامعي من حملة درجة أستاذ مشارك وأستاذ من المتخصصين في الإعلام من جميع كليات وأقسام الإعلام بالجامعات الليبية، كما أن كلية الإعلام بجامعة الزيتونة تدرس تعاون أعضاء هيئة التدريس من الجامعات العربية والأجنبية، وفي الوقت نفسه يستمر أكثر من 25 باحثا في دراسة المواد المطلوبة منهم قبل دخولهم الامتحان الشامل والمراحل العلمية الأخرى، وقد تميزت الدفعات اللاحقة بانضمام طلاب من دولة الجزائر الشقيقة، وأبدى عدد من الطلاب من جنسيات عربية أخرى رغبتهم في الالتحاق ببرنامج الماجستير والدكتوراه في كلية الإعلام بجامعة الزيتونة. والسؤال المطروح ماذا قدمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من دعم مادي ومعنويا لبرنامج توطين الدراسات العليا بالداخل؟ غير المنشورات واللوائح لتنظيم الدراسة والساعات التدريسية؛ وإذا حسبنا تكاليف ذلك رياضيا وماليا: ماذا ستصرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والدولة الليبية بصفة عامة على تكاليف تدريس عدد 50 طالبا لدراسة الدكتوراه في مجال الإعلام في بريطانيا مثلا؛ فستكون الحسبة على النحو التالي: تكاليف الدكتوراه في الجامعات البريطانية الاشتراك السنوي فقط أقل شيء 10000 باوند أي 10000×50 باوند سنوي 4 × سنوات دراسية =2000000 أي 2 مليون باوند 7.5 × بالدينار الليبي=14400000 أي 14 مليون وأربعمئة مئة ألف دينار تكاليف دراسية فقط، إضافة إلى منح دراسية شهرية بحوالي 1300 باوند شهري لكل طالب بما مجموعه 12 × 50×1300 شهري4× سنوات = أكثر من 3 مليون باوند 7.5×= 22.5 مليون دينار ليبي، وسيصرف المجتمع ما مجموعه .22.5+14.400 اي ما يعادل أكثر من 37 مليون دينار ليبي لتدريس 50 طالب إعلام بالخارج إضافة، إلى قيمة تذاكر سفر وعلاوة الكتب والحاسوب وغيرها حسب لائحة الدراسات العليا 501 لسنة 2010 . وفي مقابل ذلك لم تصرف الدولة الليبية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي حتى الآن فلسا واحدا على دراسة مثل هذا العدد بالداخل، ولا ننسى بأنها ستصرف مكافآت لأعضاء هيئة التدريس بعد حين والله أعلم وفي الوقت الذي ترضى عليهم الجهات المالية بالخزانة والمراقبون الماليين في الجامعات وغيرهم، وبأية طريقة ستصرف إن حدث ذلك واقعيا ! وهذا يدل على أننا نتكلم في الهواء لأننا لا نفكر ولا نخطط ولا ننفذ، فاتخاذ قرار بتوطين الدراسات العليا يتعين عليه تحديد المتطلبات وتخصيص الأموال وتجهيز الجامعات بالمعامل وقاعات التدريس والأجهزة وتوفير المكتبات وتشجيع المبادرات وتوسيم الأقسام والكليات الناجحة وتوفير متطلباتها؛ وها هي كلية الإعلام بجامعة الزيتونة تقدم للمجتمع نموذجا ناجحا جعلها أول كلية للإعلام في ليبيا تتحدى الصعوبات وتفتح المجال للراغبين في دراسة الدكتوراه دون أدنى إمكانيات ودعم مادي أو معنوي وها هي توفر لخزينة المجتمع الملايين من الدنانير وتحفظ أمواله بالعملة الصعبة في خزينته أليس كذلك؟
■ محمد الأصفر