مقالات

في المنظار ..

وللجمعة البيضاء وجه آخر!

حول الجمعة البيضاء وما أدراك ما الجمعة البيضاء، كنت قد تناولت بتاريخ 5 ديسمبر 2023 وفي هذا الركن من صحيفة الوقت، تحت عنوان “جمعة بيضاء” تكشف واقع أسود!، قراءتي في مشهدية الازدحام غير المألوف، والوقوف في طوابير طويلة لساعات طوال من أجل اقتناء بعض السلع بسعر أرخص من سعرها في سائر الأيام. وما دعاني للعودة للكتابة عن ذات المناسبة، هي ذات الأسباب السابقة مدفوعة بما حدث خلال هذه الجمعة من مفارقات عجيبة، وصفها زميل لي في منشور فيسبوكي قال فيه ” ليبيا كلها في طرابلس، وطرابلس كلها في الشارع….” كتعبير عن واقع ما جرى يومها، تمثل في تضاعف ازدحام مروري لافت للنظر منذ ساعات الصباح لأولى ، ليتحول بعد صلاة الجمعة إلى طوابير لها أول وليس لها أخر أمام مراكز التسوق، تشوبها فوضى عارمة. فماذا يعني ذلك هل هو ترف ، أم مماراة وتقليد ، أم هي الحاجة التي تدفع بالمواطن إلى مكابدة كل هذا العناء من أجل بضعة دنانير، أم هو عدم شعور بالأمان تجاه ديمومة وفرة السلع وثبات سعرها، أمام تأرجح سعر الدولار الذي هو أساس وجود السلع بالسوق بين المد والجزر؟ في رأيي هو صورة مكبرة لذلك الشخص الذي يقف أمام ماكينة التسعير بأحد مراكز التسوق، وهو يحتضن كم لابأس به من علب الطماطم وقناني الزيت كي يشتري الأرخص سعرا من بينها، بغض النظر عن جودتها التي باتت بالنسبة له في ظل شح السيولة النقدية وتأخر صرف المرتبات، شكل من أشكال الرفاهية. حيث اللافت للنظر، أن جل تلك الجموع كانت لا تتزاحم على الكماليات فقط، بقدر ما كانت تتزاحم على ملابس الأطفال بصفة خاصة، وعلى الأغطية والمفروشات والأحذية، وفي كل الأحوال الحاجة هي التي تدفع بالمواطن مستهلكا كان أم تاجرا لاستثمار هذه المناسبة ، فالمواطن من أجل توفير بعض الدنانير من السعر الأصلي للسلعة يراه مكسبا له حتى لو ضحى بكامل مصروف الشهر في ذلك اليوم، كذلك هي فرصة للتاجر الذي يعاني الركود جراء شح السيولة وتأخر المرتبات منذ فترة ليست بالقصيرة، لتتحرك مبيعاته ولو قليلا. هناك من يصف ما جرى بالتناقضات التي تجمع بين معاناة المواطن مع السيولة، وبين الرغبة في شراء ما تيسر من سلع رخيصة ولو نسبيا في هذه المناسبة، هي بلا شك تفتح الباب أمام عديد التساؤلات حول الأسباب الدافعة لهذا الإقبال الكبير على الشراء، مع أن شريحة كبيرة من المتسوقين تجد في أغلب الأحيان صعوبة في تأمين أساسيات حياتها اليومية . ولا شك بين زحام الجمعة البيضاء وصرخات المواطن بسبب نقص السيولة، تتجلى معضلة كبرى في ليبيا، كيف يمكن للناس أن يوازنوا بين متطلبات الحياة الأساسية والرغبة في الاستفادة من العروض؟ الإجابة تكمن ربما في إعادة التفكير في أولوياتنا كأفراد، وفي ضرورة اتخاذ خطوات حقيقية لمعالجة المشكلات الاقتصادية التي تزيد من تفاقم هذه التناقضات .لكن عندما نرى ثلاثة أرباع السيارات التي تتحرك على الطرقات مصدرها “روبافيكيا” كوريا وأوربا. وعندما نجد عددا كبيرا من المواطنين يجاهدون من أجل لقمة العيش الكريم، باستخدام سياراتهم الخاصة المتواضعة لنقل الركاب، أو في توصيل الطلبات . وعندما نجد نسبة عالية من المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود على وشك نسيان اللحوم والفواكه . ففي ذلك أكبر دليل على تردي الوضع المادي لدى الغالبية من عامة الناس، وإن محاولات المصرف المركزي لتدجين الدولار بنية لجم تغول السوق، لم يتحقق منها شيء ملموس حتى اللحظة . وبالتالي فللجمعة البيضاء وجه آخر، لا يمت للرفاهية والبحبوحة بصلة، فهذه الشواهد ماهي إلا مؤشرات حقيقية للواقع المعاش، وهي التي ينبغي القياس عليها لاتخاذ القرارات المناسبة التي تعالج التشوهات العديدة التي يعاني منها الاقتصاد الليبي . حيث لم يعد خافيا على أحد أن واقع الحال رمى بالكثير من الأسر إلى مادون خط الفقر، فيما يجاهد آخرين للبقاء في منطقة الأمان، بتنازلهم عن أشياء كثيرة، وإن طوابير الجمعة المسماة بالبيضاء هي تعبير حقيقي عن الوجه المظلم للواقع الذي يعانيه المواطنين ذوي الدخل المحدود الذين يشكلون أغلبية أفراد المجتمع.

■ إدريس أبوالقاسم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى