مقالات

على ضفاف الوطن

المال أفيون الشعوب!

حين ذكر الفيلسوف الألماني كارل ماركس مقولته أن الدين هو أفيون الشعوب في سياق نقده للدين في كتابه مساهمة في نقد فلسفة الحق عند هيجل عام 1844 ، انقلبت عليه الكنيسة واتهمته بالخروج عن تعاليمها والتحريض على مخالفة ما يدعو إليه كهنتها للإفات من تحت عباءتهم وأوحوا للعامة أن ما يدعو إليه كارل ماركس هو مخالفة لأمر الرب الذي وكّل الكهنة ليديروا شؤون الناس في الأرض !. بينما الحقيقة أن ماركس لم يكن يقصد الإساءة للأديان أو إهانتها ، ولكنه كان يرى أن التعاليم الدينية قد تم استغلالها في تخدير الناس وإبعادهم عن مواجهة ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية القاسية، بعد إفراغ تلك التعاليم السامية من مضامينها الإنسانية وتوظيفها من قبل رجال الدين الذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع وظِل الله في الأرض، ليجعلوا من قيم التسامح والعفو والدعوة إلى العمل والإنتاج والبناء ، حكرا عليهم وحدهم يستخدمونها متى شاؤا كمسكن وعزاء للناس في مواجهة معاناتهم ، وحياتهم المعيشية والتأقلم مع قسوة الطبيعة وثنيهم عن السعي لتغيير تلك الظروف، ما يجعله أي الدين ، أشبه بالمخدّر الذي يسكن الألم دون علاجه. في حين أن الأديان جاءت لتمنح الأمل للناس و تحثهم على تحسن ظروفهم الاجتماعية الصعبة بالعمل والابتكار والاجتهاد والتوكل على الله مباشرة، لخلق بيئة أكثر ملاءمة للحياة ، ولم تكن فقط مجرد وسيلة للراحة الروحية.. هذا المفهوم الخاطئ للدور السامي الذي يجب أن تلعبه الأديان ، جعل من جمع الأموال وتكديسها بكل الطرق هي الأفيون الحقيقي للشعوب، حيث فقد الإنسان كل القيم والمبادئ الأخلاقية التي جاءت بها الكتب السماوية وحثت عليها ، لبناء العلاقات الاجتماعية على الرحمة والتكافل والتعاون بين الفقير والغني وبن صاحب الجاه والسلطة ورعيته لتتناسق المنظومة الاجتماعية وتكون أكثر تماسكا ، وجسر الهوة بين مختلف الطبقات المكونة للمجتمع ، بما يدفع إلى النمو والتطور ، وبأن يكون المال وسيلة لكل ذلك ، وليس أداة تساهم في زُرع بذور الحقد والحسد والضغينة والطمع الذي يصل إلى حد الانتقام والقتل ، حتى وصل الأمر إلى ما هو أدهى وأمرّ ، باعتماد البعض للمنهج الميكافيلي” الغاية تبرر الوسيلة ” اسلوبا ومنهجا لبيع أوطانهم ، ودينهم وأخلاقهم ، وحتى أعراضهم وكرامتهم وقيمهم ومبادئهم مقابل الحصول على الأموال ! هؤلاء الذين بدل من أن يجعلوا من المال خادما لهم لإشاعة ونشر المثل العليا والرحمة ببن الناس ويستغلونه في البناء والإعمار والتقرب لله ، صاروا خدما له ، فاندثرت قيمهم وأخلاقهم ومبادئهم وأصبحوا كألانعام بل هم أضل سبيلا ..فخسروا أنفسهم وخسروا مجتمعهم.. يقول الله تعالى (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ا لْْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ا للَّهَِّ ، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلََا يُنفِقُونَهَا فِِي سَبِيلِ ا للَّهَِّ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
صدق الله العلي العظيم

■ عون ماضي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى