مقالات

موزة بمليون دولار

هذه ليست مزحة ، بل حقيقة ، وتحدث فى بلاد من يدعون الحضارة والتقدم فى أمريكا أم العجائب لو حدثت في بلد عربي لسخر منها الإعلام واعتبرها سقوط حضاري و انحطاط ثقافي؛ الحكاية بدأت حين أقام فنان إيطالي يدعى « ماريو كاتالان « بعرض مجموعة من الأعمال الفنية فى إحدى الصالات بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة ، ولكن مساحة الجدار المخصصة للرسام كانت كبير ولم تشغل لوحاته كل البراويز المعلقة، فقام بوضع « موزة داخل البرواز وألصقها بشريط لاصق ، وأطلق عليها اسم كوميديا وعندما فتح المعرض أبوابه كانت الناس تتوقف عند لوحة الموزة والشريط اللاصق ، وفى المساء بينما كان أحدهم يشاهد اللوحة وضع أصابعه على الموزة فوجدها طرية وكان جائعا فنزعها من البرواز وأكلها ، وخرج وجلب موزة أخرى ووضعها فى مكان الأولى وثبتها بشريط لاصق ، وبدأت الحكاية تتطور فقد أعجبت الفكرة رواد المعرض فقام أحدهم بأكل الموزة ووضع مكانها تفاحة؛ بينما حاول آخر أن يضع جزرة مكان الموزة؛ لكن إدارة المعرض اعترضت وتم وضع موزة فى البرواز وتثبيتها ووضعت إعلان بعدم لمس العمل ، وخلال تجوال مهووسي جمع الغرائب من الأثرياء استوقف العمل أحدهم فأعجبه ، فعرض مبلغ كبير لشراء اللوحة الغريبة ، وحظي العرض بقدر كبير من الاهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة أن وسائل الإعلام الكبرى اهتمت بموضوع لوحة الموزة ووصف نقاد وفنانون تشكيليون ما حدث بأنه دليل على أن الفن يشكل تحدياً من نوع ما لجامعي الفن للاستثمار في شيء سخيف.وقالت كوبر جونز مسؤولة الفنون فى معرض جامعة كاليفورنيا إنه إذا كان هذا الحدث الفني «الكوميدي» قد شد اهتمام الناس رغم أنه مجرد تصرف عبثى ، فإن ذلك يعنى ان الفن أصبح أداة لفهم عالم الأثرياء المزري في المجتمع الرأسمالي المنعزل، ومع أن وضع موزة وشريط لاصق في برواز في معرض فني ليست فكرة مثيرة للاهتمام؛ لكنها تعتقد أنه قد يكون أمرا مثيرا للسخرية من عقلية الأثرياء . واعتبر بعض النقاد أن الرسام الإيطالي كاتيلان صاحب اللوحة يعتبر فنان مخادع ولا ينبغي النظر إليه كمبدع يستحق أن توضع أعماله فى أروقة المعارض؛ لكن ما قام به هو نوع من تقاطع الأفكار التي تنتج نوعا من الفكاهة والغرابة العميقة، وقال ناقد فني فى موقع الجامعة : أن ما حدث هو أمر مستفز لكنه يكشف عن قتامة من التاريخ، ومن أنفسنا، والغريب أنه من الطبيعي أن لا تتجاوز قيمة الموزة نصف دينار ليبي ويمكن للإنسان أن يشتري كيلو موز من سوق الحي الإسلامي أو عند تقاطع بعض الطرق فى طرابلس ، إلا أنه يمكن أن تبلغ قيمة موزة البرواز كلوحة فنية مليون دولار حين تدخل مزاد (سوثبي) إحدى أشهر صالات المزادات للأثرياء فى الولايات المتحدة بمدينة نيويورك ؛ كما قالت وكالة أنباء أسوشيتد برس الامريكية،والغريب أنه ما أن أصبحت اللوحة حديث الناس وأصبحت موضوعاً مثيراً للجدل حتى أعلن عدد من الأثرياء عن رغبتهم فى شراء اللوحة مهما كان الثمن ،وهكذا يُفسد الثراء والمال القيمة الحقيقية للفن و يقتل الإبداع ويسخر من الخيال والجمال ويسفه الرؤية الابتكارية وأحلام الفنانين الحقيقيين عبر السعي وراء كلما هو ساذج وتافه وبلا هدف كأنما هى صرخة بأن الغرب وصل إلى قاع الحظيظ وإلى الدرك الأسفل من الإدراك إلى درجة أنه يعطي وزنا للسذاجة وقيمة للعبث ، ولا عزاء للفنانين الليبيين الذين لا يجدون مكانا يعرضون فيه أعمالهم أو مؤسسة تحتويهم وتساعد على انتشار أعمالهم وتتبنى إبداعاتهم .

■ د. أبوالقاسم صميدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى