مع تواصل أشغال تسوية ، وتجديد إسفلت الطرق البرية عبر كامل التراب الوطني تقريبا لابد أن أصحاب المركبات ، والسائقين بوجه عام ينظرون بكثير من الرضا عما قلل شيئا من معاناة التنقل بين المدن ، لاسيما وأنه فيما عدا خطوط النقل الجوي المحدودة ، فإن ظهر ) الكياس ( يظل وحده القاسم المشترك لكل مسافة يتعين على أي مواطن ليبي ، أو مقيم بيننا أن يقطعها لأي غرض كان بالداخل ، أو حين السفر والعودة من الخارج. تقليل المعاناة لا يعني رفعها تماما ، وصيانة الطريق على أهميتها ستظل إن ظل يتيما بمثابة ألا تجد ما تقدمه سوى قرص مسكن لصاحب صداع مزمن. بل إن ثقل التركة ، والوضع المتفاقم لبدائل وسائل السفر والتنقل في ليبيا تجعلها تحافظ على صورتها التقليدية كبلد بطعم قارة ، بينما تعيش عصر انتقال العالم كله إلى محض قرية صغيرة. ربما يكون في جعبة ذوي العلاقة من الجهات المعنية ما يمكن أن تفاجئ به مستقبلا الحالمين بمواصلات متعددة الوسائل آمنة مريحة جماعية منتظمة ورخيصة، وحتى يتحقق شيء من ذلك فسيظل على الليبيين كافة أن يزاوجوا بين الوظائف والحرف والمهن وقيادة السيارات؛ مع الأخذ بالحسبان للاعتبارات المترافقة ، أيا كانت طبيعتها. أما قيادة السيارة ، فمن البديهي أنها تنسب للحكمة أو المثل القائل (للضرورة أحكام) وإن كان الليبيون على نحو خاص تصل بهم المبالغة في تبني هذه (الرخصة) حد غض الطرف عن قيام أطفالهم ، حتى ممن لم يبلغ منهم الحلم بعد بقيادة السيارات على الطريق العام ؛ بل إن منهم من يطلب ذلك لطفله؛ ثم إذا وقع ما لا يحمد عقباه تجده يضع الثقل كله على القدر وحده ، وبكل المناطق القروية وكثير من المدن لم يعد مستغربا مرأى سيارة تحاذيك ثم قد تجاوزك ، ولا تستبين إن كان يصحب ركابها سائق ، ولا يعدم المرء ، بمنطقة زراعية ما؛ أن يصادفه يوما (جدع) ، يمشي نحوه و قد بدا بمفرده. أما الاعتبارات التي ينبغي مراعاتها فهي تعتمد أساسا على تحديد طبيعتها ، ومن ثم اتخاذ القرار الأنسب حيالها ، وطوال حياتي المهنية التي امتدت لتسع و ثلاثين سنة وبضعة أشهر ، لم أعهد عن أحد رافقته خلالها أو عملت معه كمثل ما كان عليه الرئيس الأسبق لهيئة الإذاعة والتلفزيون الأستاذ / نوري ألحميدي ..متعه الله بالصحة.. لقد كان على قدر عال من الحساسية والتركيز إزاء ما كان يطلق عليه (اعتبارات الوقت) فكان يراجع معي ، بعد أن كلفت بإدارة البرامج مفردات كل الشبكة ، وكافة المواد المدرجة للبث ، وكان يولي عناية خاصة ألا يتخلل الأذان مادة برامجية قد تبدو متعاكسة أو غير منسجمة ، وأحرص ما يكون على ألا يقطع الآذان فقرة الرسوم المتحركة للأطفال ، ويفسر ذلك بأن من شأنه أن ينفر الطفل من الصلاة ذاتها إن لم تأبه لحقه هو فيما منحته من مساحة بث ووقت. لقد قفز كل ذلك لذهني لحظة تمهل قبيل انعطافة نحو المسجد ظهيرة يوم الجمعة الماضي ، حين هالني أن السيارة التي تجاورني كان يقودها طفل يكاد يقترب من العاشرة من عمره ، فيما اقتعد بجواره رجل بكل هيبة ووقار، وقدرت أنه كان يتمتم بالدعاء ” اللهم أهدنا فيمن هديت ” , ولعله لاحظ شيئا من امتعاضي لما أرى ، فأردف بالقول (الله يعطينا الوقت الطيب) .
■ بشير بلاعو