لا أحد ينكر ان هناك حركة ملموسة في الملف المالي بعد ممارسة إدارة المصرف المركزي الجديدة لمهامها، تمثلت في قرارات بشأن مكاتب وشركات الصرافة، وقيمة وأسس تداول النقد الأجنبي، واخرى بشأن التداول المالي إلكترونيا، إلى جانب خفض رسوم الاستخدام . إلا أن هذه الخطوات مالم تكن نتائجها تلامس الواقع، وتحسيس المواطن بإيجابية نتائجها بشكل مباشر، ستظل في نظر المواطن الذي يعاني الصدمة جراء الوعود بشأن توفر السيولة النقدية دون قيد او شرط لا في سقف القيمة المراد سحبها ولا في عدد مرات السحب التي ذهبت أدراج الرياح. فعلى مدى أسابيع، كانت تصريحات إدارة المصرف بشأن توفر حلول عديدة لأمور كانت متعسرة تتصدر كافة وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، ومن بينها حلحلة ازمة السيولة النقدية بالمصارف التجارية بضخ 5 مليار دينار، وكذلك الضجة الإعلامية التي واكبت شحنات توزيع السيولة النقدية على المصارف في كافة مناطق البلاد بالصوت والصورة، للبدء في توزيعها مع صباح الثالث من نوفمبر الجاري، وتم تصوير الأمر في أذهان الناس وكأن كل شيء بات في الشنطة، على رأي المواطن. لكن ما أن مرت بضعة أيام، وإذا بالمصارف التجارية تعود إلى نقطة الصفر، خاوية على عروشها، حيث لا سيولة نقدية فيها إلا ما ندر، وفي مصارف محدودة دون غيرها.، الأمر الذي أثار أكثر من علامة استفهام أمام هذا الأمر بالذات . ذلك لأن النتيجة لم تكن مثلما روج لها، حيث بقي السحب محددا بقيم لا ترتقي حتى لمتوسط المرتبات السائد، ولمرة واحدة في الشهر . وجراء ذلك عادت مشهديه الطوابير المتراصة أمام آلات السحب الذاتي المحدودة على أمل الحصول على بعض مما لديهم من نقود. وماننوه إليه، لا هو اصطيادا في الماء العكر، ولا هو مناكفة، بل هو رأي ووجهة نظر فرضها ما نراه من تناقض بين الوعود والمردود الفعلي، خاصة ان المواطن لا تهمه ولا تعنيه بشكل مباشر جل قرارات المصرف المركزي رغم أهميتها، بقدر ماتهمه وفرة وديمومة السيولة النقدية التي هي لب المشكلة بالنسبة له، كونها مرتبطة اساسا بحياته اليومية، طالما عملية التسوق الإلكتروني مازال يشوبها القصور في كفاءة الانترنت، وفي محدودية نقاط البيع . وما هو واجب أمام ما حصل، على إدارة المصرف المركزي، توضيح الأمور للمواطن بكل شفافية، لإعادة الطمأنينة ولو نسبيا لجدوى ما اتخذ من إجراءات، وإن ما حصل في ملف السيولة النقدية، لا يعني فشل الخطة، وحتى لا يذهب المواطن إلى التخمين والتأويل والذهاب بعيدا في شأن المليارات التي تم الإعلان عن توريدها، وتم ضخ بعضها في خزائن المصارف التجارية. وفي كل الأحوال نأمل ألا نصدم ذات لحظة بأن تلك المليارات قد أكلتها الغولة، وأن ماحصل مجرد سحابة صيف ليس إلا.
■ إدريس أبوالقاسم