هل تستطيعون إحصاء عدد الانتهازين الذين ركبوا موجة “الربيع العربي” وهل بإمكانكم تعداد المتلونن الذين امتطوا صهوة التغيير والشعارات البراقة التي صاحبتها وجعلت العديد من البسطاء يدفعون ثمن السعي نحوها والهرولة وراءها ؟. أولئك الذين إرتدوا ملابس التحريض على الأنظمة القائمة ولبسوا زي الثورة ضد الاستبداد واعتلوا المنابر السياسية والدينية داعن الشباب إلى مهاجمة رموز السلطة والخروج عن قوانينها وضرب عرض الحائط بكل ما يمت للدولة بصلة أو ينتمي للنظام بأي علاقة. ألا نتذكر جميعاً أن تلك الموجة انتهت بملاين المشردين على الأرصفة والعاطلن عن العمل، فض اً عن القتلى والجرحى المعاقن الذين خسروا زهرة شبابهم بالسير في وراء شعارات لم تر النور، وفي المقابل دخلت مليارات الدولارات في حسابات أولئك الذين أجادوا التزلج على الموج وأرتدوا أقنعة الثورة والنضال. تبدأ المأساة عندما يخرج المتظاهرون إلى الشوارع محتجن على تردي الخدمات، وقمع الحريات وتراجع المداخيل، وتعاظم الفساد، فتظل السلطة ترقبهم، وتخطط لإفشال برنامجهم وإحباط مسعاهم، ثم يقفز منها ساسة ماكرون معلنن انشقاقهم عن النظام وتضامنهم مع مطالب المتظاهرين، بل وانضمامهم إليهم، ثم يلتحق بهم آخرون من المعارضة، التي تذهب إلى الشوارع ذاتها وترفع للمتظاهرين لافتاتهم، وتتبنى كل مطالبهم، وتصوغ لهم خطابهم، وتكتب لهم بيانات المساء، لتتحول الأزمة إلى أجندة دولية تستغلها أطراف خارجية لتحقيق مآربها وأطماعها على حساب البسطاء الصادقن، وأخيراً ينتهي زخم المظاهرات إلى أرصدة الساسة الماكرين ، وقبل أن تسدل الستارة ينتهي الأمر بالمتظاهرين إلى الموت والسجن والضياع، وبالساسة إلى الكراسي والسلطة، وهكذا دواليك، لا المتظاهرون يتعلمون، ولا الساسة يشبعون. ليس الهدف من هذا المقال بث الخنوع والاستكانة للطغاة والظالمن وإنما توعية الناس بخبث السياسة ومكر مزاوليها وألا يتحولوا إلى مجرد مسمار في عجلة يتلاعب بها الحذاق والأفاقون، ولكي لا تصبح المقولة القديمة حقيقة واقعة وهي )الثورة يحرض عليها المفكرون ويجني ثمارها الانتهازيون ويدفع ثمنها البسطاء الصادقون .
■ خالد الديب