مقالات

إعادة تدوير القمامة البشرية

القمامة هي مخلفات المنتجات التي كانت صالحة وقد تم استعمالها. أحيانا يتم ترك القمامة بعد تجميعها حتى تتعفن وتنتشر ريحتها النتنة، ولا يجد الناس شيئا حيالها إلا التخلص منها بدفنها في الأرض تحت الرمال أو حرقها بالنار. ومع التقدم التقني والتطورات المادية ظهرت علينا عمليات تصنيعية، صارت تعرف بعمليات إعادة تدوير أو إنتاج القمامة أو المخلفات. هذه العمليات تعيد طرح تلك النفايات أو تلك القمامة في الاسواق من جديد وقد صارت صالحة للاستعمال مرة أخرى. أسعارها عادة ما تكون أرخص وجودتها غالبا ماتكون اقل من المنتج الأصلي الذي لم يتم استعماله من قبل. تلك المواد التي كانت جزءا من القمامة والمخلفات وتمت إعادة تدويرها وإنتاجها تبدأ بالمناديل الورقية التي تستعمل في دورات المياه ولا تنتهي بمياه الصرف الصحي. هذه إطلالة ومقدمة استشرافية لكثير من المظاهر الحياتية التي نعيشها وتتربع بيننا وتخضع لنفس القانون الخاص بإعادة تدوير القمامة. يأتي البشر في بلادنا على قائمة ما نلاحظ إعادة تدويرهم وتقديمهم للمجتمع بعد أن انتهت صلاحيتهم أو استنفدوا الفرص المتاحة لهم ليكونوا صالحين أو نافعين. إن أكبر ما تعانيه مؤسساتنا وإداراتنا هو تلك النماذج البشرية البائسة التي ثبت عجزها وفسادها وعدم أهليتها أو انتهى عمرها الافتراضي سواء في الحقل السياسي أو الاقتصادي أو المالي أو الإداري أو الصحي أو التعليمي أو الرياضي، والتي مازالت تحتل وحتى هذه اللحظة مناصب ومراتب مرموقة في دواليب الدولة على مختلف مستوياتها وأنواعها بعد أن تمت إعادة تدويرها وإنتاجها وتقديمها مرة أخرى لكي تتصدر المشهد وتمتلك ناصية القرار. قد يقول قائل إن وجوها جديدة دخلت ساحة العمل والقيادة والإدارة لم يتم تجريبها من قبل وقد بان عوارها وفشلها وساء أداؤها لدرجة تجعلك تترحم على المنتج المعاد تدويره رغم رداءته وخيبته ونتائجه الكارثية، والتفسير الوحيد هو ذلك الارتباط الشرطي الذي جمع هذين النموذجين معا.. وسواء كان الذي هو الأعلى في المنصب نموذجا للشخصية الجديدة غير المؤهلة، فقد صار يبحث عن أتباع له ممن انتهت صلاحيتهم فأعاد تقديمهم من جديد ليكونوا ضمن تشكيلته وفرقته البائسة. أو كان الأعلى هو من الشخصيات التي انتهت صلاحيتها فاندفع يبحث عن وجوه جديدة لا تمتلك من المهارات والقدرات والكفاءات إلا السمع والطاعة والتقديس والتبجيل. والسؤال في ظل هذا الواقع التعيس: هل عقمت بلادنا عن تقديم قدرات وكفاءات على مستوى عال من الأمانة والصدق والحرفية والأداء والنهوض بالأعباء والمسئوليات على أكمل وجه؟ والجواب: بلادنا ليست عاقر، والقادرون على إحداث الفارق، وتشكيل نقطة التمفصل نحو الارتقاء قدما نحو معارج الإنجاز والازدهار موجودون لكنهم مغيبون أو محاصرون أو مضيق عليهم أو تمنعهم نفوسهم العالية أن يكونوا ضمن جوقة نشاز أو في وحل مستنقع لا تستمتع فيه إلا الخنازير.

■ عبد المنعم اللموشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى