مع النكسات المتوالية التي تعرضت لها أغلب التيارات السياسية في المنطقة، والفشل الذريع الذي صاحب معظم مشاريع الأنظمة الحاكمة، أصيب المواطن العربي البسيط بخيبات أمل متوالية جعلته يفقد الثقة في كل ما هو قائم ويبحث عن بديل له يرضيه ويقنعه. وهكذا فمعظم الخيارات القومية، والوطنية، والاشتراكية، في منطقتنا تآكلت تماماً مع الزمن، وتركت فراغاً ملأه الخط الديني في صور معتدلة أو متشددة، ولكنه في كل حالاته عبر عن المظلومية والإحباط، وفقدان الأمل في كل المشاريع المطروحة للنهوض بالأمة وإيجاد مكانٍ لها تحت الشمس وفوق الأرض، وأقوى معبّر عن هذه الحالة هو التطرف والعنف المصاحب لها، التطرف الذي اقترب به إلى نوعٍ من العزلة عن محيطه وإنكار كل ما هو حوله والانتقال إلى عالم آخر هو أقرب إلى الحلم والخيال. أمام هذا الواقع المأزوم والأنظمة المهزومة والحياة المزرية التي تطحنه وتضيّق عليه الخناق لم يجد هذا الإنسان من سبيل يلجأ إليه وملاذ يتقي به معاناته إلا الدين الذي تم تفسيره وتوجيهه وفق رؤى غاضبة من الواقع، ومتكأه على ماضٍ تليد تم تزيينه وبهرجته إلى درجة تحول فيه هذا الماضي إلى شبيه بالأسطورة والخيال. نقلت هذه الأفكار التي تم ترويجها وتسويقها وفق خطة معدة سلفاً؛ الإنسان العربي التائه والضائع إلى شخصية عنيفة ومنقادة تماماً لعقيدة مشوهة وأفكار متطرفة جعلت من الدين أداةً للقتل ووسيلة للإرهاب. وبالنظر إلى كل ما سبق والتداعيات المصاحبة لما جرى في منطقتنا يمكننا أن نؤكد أن مستقبل الإسلام أمامه لا خلفه، الإسلام لم يقل كلمته الأخيرة بعد، فهذه الموجة الأصولية المتطرفة ليست نهاية التاريخ، وإنما ستمر وتتبخر كفقاعة من صابون كغيرها من الموجات الدخيلة السابقة، وهذا العالم الإسلامي الذي يعد اليوم أكثر من مليار ونصف المليار شخص إذا ما استيقظ يوما ما واكتشف الطريق المناسب لمسيرته فسوف يهتز له العالم أيضا. عاجلا أو آجلا سوف يستيقظ عالم الإسلام ويخرج من حالة الانحطاط والجمود إلى حالة النهضة والصعود، فقط نحن بحاجة إلى دراسات تنويرية تضيء لنا مفاصل التراث الإسلامي، وعندئذ سوف يتجلى لنا بصورة جديدة لا تخطر على البال.
■ خالد الديب