نلاحظ خاصة هذه الأيام حملة بالعاصمة طرابلس لتقليم الأشجار بشوارع المدينة، بالإضافة إلى أعمال الصيانة للحواجز المطلة على شاطئ البحر والأماكن القريبة منه، وهو في المجمل أمر جيد ومحمود، إلا أننا نرى هذه الجهود مقتصرة على حيز جغرافي معين لايتعدى مركز المدينة ومحيطه الذي لا يتجاوز بضعة كيلو مترات . وبالمقابل نجد الأمكنة الأكثر بعدا تعاني إهمالا واضحا في هذا الأمر، حتى أمسى التلوث البصري سمة من سمات أطراف المدينة، خاصة الجانب الجنوبي منها. فهذه المناطق إذا سقط فيها عمود كهرباء لسبب ما، وفي الغالب نتيجة حادث مروري لافتقار الطرق للإنارة العامة ليلا، يبقى العمود المحطم مرميا على حافة الطريق لعدة أشهر، ولا يتم تركيب عمود بديلا عنه لمدة أطول !. كذلك الحال بالنسبة لكافة الخدمات الأخرى من تقليم أشجار أو صيانة دورية للأرصفة والتصدعات والحفر التي تحدث بتلك الطرق .. حتي عمليات الصيانة التي وإن حدثت في وقت من الأوقات لا تتم بالشكل المناسب والسرعة المطلوبة، فغالبا ما يبقى الركام ومخلفات الصيانة في ذات المكان دون إزالة، لتتحول مع مر الأيام والأسابيع إلى مكبات قمامة عشوائية نتيجة عدم وجود أمكنة مؤقتة معتمدة متقاربة لتجميع المخلفات والقمامة . هذه اللامبالاة وهذه الانتقائية في تنفيذ الخدمات العامة، التي جعلت النظافة العامة والمشهد الجمالي من اهتمام بالمسطحات الخضراء، وطلاء الأرصفة وإنارة الشوارع والأزقة حكرا على أمكنة محدودة دون غيرها، أشبه بمن يستخدم أدوات المكياج ليخفي بعضا من عيوبه، او ليقنع من حوله بمقدار جماله، وهو الحال الذي ينطبق عليه القول ” يا مزوق من برا شن حالك من داخل”. وجراء تجاهل أهمية المشهد البصري في تهذيب النفس، لم يعد لدى المواطن، خاصة الأطفال واليافعين مكانا للتفريق بين مزايا النظام العام وجمال الورود، وبين عفونة أكوام القمامة . فما نراه من تسيب وإهمال لجمالية المشهد البصري، لا غرابة عندما تنبه أحدهم قام برمي زجاجة ماء او علبة عصير في الشارع بأن هذا ليس مكانه، ليرد عليك قائلا ” هي وقفت غير على هادي ياحاج؟”. فما نراه من تسيب وإهمال المشهد البصري، وأهميته في تهذيب السلوك العام الذي يمثل المشهد البصري والسمعي جزءا منه، بين لي كم كنت حالما، عندما كنت انتظر رد فعل إيجابي ذات وقت مضى من ذلك الطفل الذي رمى بقايا الحلويات وكوب العصير في أحد أركان قاعة الأفراح بأن هذه المخلفات مكانها سلة القمامة الموجودة بالمكان، وإذا به يصفعني برده قائلا ” هي وقفت غير على هادي ياحاج؟”.
■ إدريس أبوالقاسم