الواقع أن مجال الإعلام وعلومه هم أبناء القرن العشرين بامتياز، صحيح أن اختراع المطبعة جاء في القرن الخامس عشر، وبدأ التسجيل الصوتي أواخر القرن العشرين والإذاعة أوائل القرن العشرين، ولكن نشأة هذا المجال وتوظيف أدواته ثم بدء علومه وصولاً إلى نشأة التلفزيون والأدوات الرقمية قد حدث بكل تفصيلاته في القرن العشرين من دون شك، وعلى يد الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، رغم أن أمريكا كانت آخر من وطأت قدمها هذا المجال كعادة الدولة الأمريكية في الوصول متأخراً ثم كسب سباق الماراثون والقفز إلى الصفوف الأولى.والواقع أيضا أن ثورة الاتصالات حولت كافة أدوات الصحافة والإعلام والدعاية، بل وحتى الثقافة والفن إلى البث الرقمي، وصارت كافة تلك الأدوات تقنياً أدوات رقمية تشكل مايعرف بالفضاء الرقمي . على إثر ذلك بدأ في التسعيناتمن القرن الماضي وعلى استحياء تنفيذ استراتيجية «الجيوش الرقمية»، ومع تطور ثورة الاتصالات من الحيز الإلكتروني المعروف إلى الحيز الرقمي الشامل، مايمكن معه القول إن استراتيجية الجيوش الرقمية كانت من أهم أدوات الربيع العربي الفتاكة التي استخدمت بقوة مابين أعوام (2010 – 2013) ومابعدها، شبكات عنكبوتية إعلامية ضخمة شكلت اليوم الجيوش الرقمية، مكلفة باستهداف دول وجمعات بعينها، عبر طرح قضايا معينة، لتحقيق أهداف محددة سلفاً، يكون المتلقي فيها الحلقة الأضعف في هذه اللعبةالذكية، بعد أن يتم صب المعلومات صبًا في رأسه عبر جهاز هاتف ذكي يتصفحه المتلقي في أوقات فراغه وهو يظن أنه يستقبل معلومة عامة بسيطة دون أن يدرك هذا الجهد الاستخباراتي والعسكري الكبير الجاري من أجل صناعة وتوظيف وتشكيل المعلومة وكيفية تأثيرها عليه نفسياً وعصبياً، من أجل صناعة رأى عام مؤيد لفكرة بعينها يضعها وينمطها صاحب هذا الجهد الاستخباراتي، بل ودفعه وبرمجتيه فكريُا ولغويًا وعصبيًا للاستجابة لأي مجهود سوف يتم الإعلان عنه لاحقا، من أجل نصرة الهدف الذي يتم برمجته عليه، على مدار الساعة عبر شبكة الجيوش الرقمية.الجيوش الرقمية مربط فرس أجهزت الاستخبارات العالمية ومعول مهم في رسم سياستها، بل أن الاعتماد عليها في مسألة هيمنة الدول النافذة في العالم، ربما يوازي أو يتفوق على مهام الجيوش التقليدية لديها.
■ الدكتور : عادل المزوغي