ليبيا .. وطن له تاريخ
الوطن لا يقتصر على مساحة جغرافية معروفة الحدود ولكنه مكان يبقى دائما مرسوما على جدار القلب .. عليه ولدنا وارتبطنا به ارتباطا مصيريا لا انفصام له .. وهو الملاذ والحضن الذي نجد فيه الدفء حتى وإن قست عليه الظروف، وحتى عندما نغادره يرحل معنا جذوة حب تلهب القلب بالحنين ؛ نحبه ونشتاق إليه، ويتواصل حبه حتى وإن فرض علينا الابتعاد عنه. الوطن يسكن القلب ويتمازج مع الروح التي نقدمها في سبيله عن طيب خاطر .. ترى لو سأل كل منا نفسه لماذا قاتل اجدادنا ثلاثون عاما جيشا يفوقه عددا وعدة مئات المرات يريد احتلاله والسيطرة عليه رغم أنه لم يكن حينها من يعرف منهم أن في جوف ترابه ذهب أسود وما كانوا يعلمون أن أرضه تحتوي على ثروات طائلة ؟ قاتلوا واستشهدوا من أجل أن لا تكون هناك سيادة عليه إلا من أبنائه الذين رفضوا الوصاية أو الاستسلام لإرادة العدو. الدين والوطن كلاهما لا يقبل فيهما أحد المساومة أو التخلي عنهما مهما كانت التضحيات جسيمة، ولكن هل نشعر بقيمة الوطن ؟ إن أغلى ما في حياتنا لا نعرف قيمته إلا إذا أعملنا الفكر وبحثنا في أعماق التاريخ عن قيمته ومكانته لدينا وعند الآخرين .. ما هي الحقائق التي قد لا يعرفها الكثير منا عن وطننا ليبيا التي عندما نعرفها سيتضاعف حبه حينما ندرك أن لدينا وطن أغلى حتى من الروح ؟ فماذا نعرف عن وطننا ليبيا لتتجلى لنا مكانته ووزنه التاريخي وقيمته الحضارية ؟ هل نعلم إن ليبيا اسمها يعني بلاد السمر وعمر اسمها أكثر من عشرة آلاف سنة وأن اسم ليبيا كان يطلق على شمال قارة إفريقيا من غرب النيل إلى حدود المغرب على المحيط الأطلس ويوجد بها أقدم مدينة رومانية بالعالم وهي لبدة .. وهي ليست أطلالا كمدينة جرش بالأردن أو قرطاج بتونس ويوجد به أقدم مدينة يونانية وهي شحات مدينة قائمة وليست أطلالا .. وأن أغلى فسيفساء في العالم موجودة بمتحف السرايا تعود للعصر الروماني .. يوجد بها اكبر مجموعة رسومات في شمال افريقيا والبحر المتوسط توجد بجبال اكاكوس عمرها أكثر من عشرة آلاف سنة .. يوجد بها أقدم مدينة بنيت في الصحراء وهي مدينة غدامس. وان الإغريق أخذوا من الليبيين فكرة جر العربة بالخيول ولهذا قال المؤرخ اليوناني (هيردوت) الملقب بأبي التاريخ (من ليبيا يأتي الجديد) يوجد في ليبيا خمس مناطق ملكية ثقافية للعالم بإجماع اليونيسكو وهي .. صبراتة .. لبدة .. شحات .. غدامس .. اكاكوس. أقدم مومياء محنطة هي لطفل ليبي موجودة بمتحف السراي مما يثبت أن الليبيين عرفوا التحنيط قبل مصر بألف سنة .. أقدم مومياء مصرية عمرها 4500 سنة ومومياء الطفل الليبي عمرها 5500 سنة .. هذه هي أهم الحقائق التي تدل على المكانة التاريخية التي تحظي بها ليبيا وتميزها عن باقي الدول .. أما إذا نظرنا إلى العصر الحديث فإن الكثير من السياسيين والفلاسفة الذين أكدوا على مكانة ليبيا وأهمية دورها في مسار الحضارة الإنسانية ..واستحضر هنا ما قاله الملك عبد العزيز عن أهل ليبيا حيث قال (ليبيا لا تحتاج إلى رجال فرجالها أهل ثبات) أما كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق فقال (لا يوجد ولم ولن يوجد أشجع وأجد وأعند من رجال ليبيا (أما الحجاج فقد قال يوما عن ليبيا) لا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه ، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقطعوا رأسه فانتصروا بهم فهم من خيرة أجناد الأرض واتقوا فيهم ثلاثة.. نساءهم فلا تقربوهن بسوء وإلا اكلوكم كما تأكل الأسود فرائسها .. أرضهم وإلا حاربتكم صخور جبالها. دينهم وإلا أحرقوا عليكم دنياكم . أما الفيلسوف والمستشرق الفرنسي (رينان) فقد قال (لكل إنسان وطنان .. الوطن الذي ينتمي إليه .. وليبيا مهد الحضارات الأولى) هذا هو وطنكم ليبيا قيمة تزهو بها الدنيا ومكانة يشيد بها القاصي والداني لأنهم يعرفون وزنها التاريخي وحقيقة أهلها ، فمتى نأتي لكلمة سواء لنلم شتات الوطن ونضمد جراحه ..ونستمر به على درب التقدم والازدهار لتكون ليبيا بحق جوهرة الأوطان ونكون نحن الشعب الذي يحتل موقع الصدارة بين شعوب الأرض .. فهل نعي حقيقة الوطن وإرثه التاريخي الزاخر بالبطولات والانتصارات ..أم نستمر فيما نحن عليه الآن فنخسر جميعا الوطن والملاذ.
■ عبدالله مسعود ارحومة