مقالات

وقت إضافي

سقوط العالم

يبدو أن هذا القرن لن يكون قرن سام كما تنبأ له العلماء والفاسفة والباحثون وكل المتفائلين بغد أجمل وأبهى للبشرية التي غرها ما توصلت إليه من تطور تكنولوجي وما حققته من منجزات غير مسبوقة في كل مجالات ومناحي الحياة ، لن يكون قرنا للسلام بين شعوب الأرض التي لم تستطع التخلص من وحشيتها وحبها للحروب والصراعات ولم تتمكن بعد من الارتقاء بمفاهيم الخير والمحبة والتوادد الإنساني ،وعجزت على صياغة منظومة قيم إنسانية هدفها ومقصدها صناعة سام عالمي بين بني البشر مبني على الاحترام والتعاون والتضامن بدل الصراع والنزاع والتشاكل. في نهايات القرن الماضي والعالم يسير نحو عصر الرقمية الذي بتنا نعيشه اليوم؛ ظهر علينا عديد البحاثة والدارسن بعدد من الإفتراضات والاستشرافات حول مستقبل البشرية وتنبأ الكثير منهم بأن البشرية في قرنها الواحد والعشرين ستصل مرحلة الارتقاء ولن يكون هناك مبرر لاقتتال والصراع والحروب الدامية بعد أن تتحول إلى قرية واحدة لن تعيق ساكنيها المسافات مهما بعدت وامتدت عن التواصل والتحاور والتبادل المعرفي والثقافي والاقتصادي وكل ما ينتجه إنسان العصر رمزيا وماديا وسيتحقق حلم الفاسفة ل والمفكرون الأزلي في صنع عالم يسوده الحب والسام وتحكمه القوانن العادلة والمنظمة لحياة المجتمعات والشعوب .. ولكن صدم المتفائلون وكل من تنبأ وحلم بعالم خال من الصراعات والأزمات ، صدموا منذ أول يوم لدخول هذا القرن بأنه لايختلف كثيرا ، بل قد يكون أشد شراسة ودموية من كل القرون التي سبقته ، حيث سخر التقدم التكنولوجي لتطوير أدوات ووسائل الدمار والقتل وأصبحت الحروب والصراعات تأخذ أشكالا مختلفة ضحيتها الأولى الشعوب التي تخلفت عن ركب الحضارة بسبب ماعاشته من حروب وحقب استعمارية طويلة. وهاهو الربع الأول من هذا القرن يشارف على الاكتمال والعالم يسجل كل يوم بداية نزاع دموي أو صراع جديد، حتى لاتكاد تخلو جهة من جهات الأرض من حرب أهلية داخلية كانت أوثنائية أو إقليمية أغلبها تصنف بالشرسة والطويلة الأمد، ولعل هذا مايميز حروب هذا العصر ونزاعاته المسلحة هو عمرها الطويل كما وصفها ديان أودريسكول الباحث في معهد الاستجابة لاحتياجات الإنسانية والنزاعات في ل جامعة مانشستر بقوله “إن النزاعات المسلحة الحديثة تميل إلى النهايات الطويلة والممتدة” ويقارن بينها وبن الحروب القديمة قائا “إذا كانت الحروب القديمة تنتهي بمعركة ضارية، فقد أصبح ذلك من الماضي، ولا تصلح هذه الفكرة لحروب هذا القرن”. عشرات الحروب حدثت في أقل من ربع قرن أزهقت خالها مئات الألوف من الأرواح لالبشرية ناهيك عن دمار المدن وإتاف الممتلكات والبنى التحتية وتشريد الماين من لالبشر ، ولقد تجاوز عدد القتلى جراء الصراعات في جميع أنحاء العالم حسبما أفاد معهد الاقتصاد والسام في مؤشر السام العالمي عدد 238 ألفا في العامن الماضين وهو أعلى رقم منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، كما قدرت تكاليف الحروب حسب هذا المؤشر ب 17.5 تريليون دولار، أي ما يعادل %13 من الناتج الإجمالي العالمي ولو تتبعنا ما خلفته الحروب والنزاعات التي وقعت في أنحاء عديدة من هذا العالم خال العقد الأخير سنجد أمامنا أرقاما صادمة مفجعة ومؤكدة في الآن ذاته على أن إنسان هذا العصر ازداد توحشا و شراسة وعدوانية وتعطشا للدماء ومشاهد الخراب وأبعد مايكون عن القيم الإنسانية التي دعت إليها الشرائع السماوية والقوانن الوضعية منذ القدم ،كما ستؤكد لنا تلك الأرقام و النتائج الكارثية للحروب والصراعات التي تشهدها المعمورة بأن هذا التطور التكنولوجي الذي يتبجح به هذا الإنسان لم يسهم للأسف حتى الآن في صنع عالم خلال من الحروب والنزاعات الدموية تسوده قيم المحبة و السام والرخاء الاجتماعي.

 

■ الفيتوري الصادق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى