الخبرات الليبية في الخارج .. والدور المطلوب
يعاني الوطن العربي من ظاهرة استنزاف العقول التي أثرت سلبا على مستوى التقدم العلمي الذي كان من الواجب أن يساهم فيها كل المبدعين في كل المجالات بإثراء مسيرة مجتمعاتهم ببحوثهم ودراساتهم وجهدهم أيضا باعتبارهم أبناء هذا الوطن الذي ينتمون إليه وهو من قام بتعليمهم وإرسالهم إلى اكبر الجامعات العالمية لزيادة التحصيل المعرفي واكتساب خبرات واسعة في مجال تخصصهم وكان أمل الوطن فيهم كبيرا باعتبار إن عودتهم إليه ستتيح لهم المساهمة الجادة في خطط التنمية ودعم مسيرة التقدم وتمكين الوطن من الاستفادة من علمهم وخبراتهم ..وليبيا كغيرها من أقطار الوطن العربي والدول النامية بشكل عام لديها الكثير من الخبرات العلمية في مجالات مختلفة منها الطب والأدب والمعاملات المالية والإعلامية والتقنية والبحثية؛ نالت شهرة عالمية واسعة؛ هذه الخبرات التي تلقت تعليمها العالي في أرقى الجامعات واكتسبت خبرة واسعة كل في مجال تخصصه .. ولكن من المؤسف حقا أن كثيرا من هذه الخبرات آثرت البقاء في الخارج ومواصلة مسيرتهم العملية خارج نطاقه ومعضهم لم يجدهم الوطن إلى جانبه في زمن حاجته إليهم .نحن نعلم إن هذه الظاهرة اصبحت مشكلة تعاني منها الكثير من الدول النامية فهناك من الدول العربية من وصل عدد خبراتها في الخارج إلى الآلاف من العلماء وفي تخصصات دقيقة ،ا فيها حتى علوم الفضاء؛ هذه الكفاءات العلمية كان الأجدر بها أن تكون إلى جانب شعوبهم ليساهموا في تطوير اوطانهم ودعم مؤسساتها…مثلا إذا نظرنا إلى عدد الأطباء الليبيين في كل من بريطانيا أمريكا كندا استراليا فإن بعض المصادر تشير إلى حوالي (1120) طبيبا منهم (707) في بريطانيا وحدها…وهناك مصادر أخرى تقدر عدد الأطباء الليبيين بالخارج ما بين (1250) (1500) الكثير منهم من ذوي التخصصات الدقيقة والنادرة ومثال على ذلك فإن الدكتور هاني عبد السلام كشلاف المقيم بأمريكا يعتبر من أفضل أطباء الأعصاب هناك وله مساهمات علمية وبحثية متميزة في هذا المجال .. وزيادة في إلقاء مزيد من الضوء على الخبرات الليبية بالخارج وخاصة في مجال الطب الدكتور محي الدين عمر معيتيقخريج كلية الطب جامعة طرابلس والآن بإحدى الجامعات الامريكية ويعتبر أول من أجرى عملية استئصال سرطان مرئ بواسطة الجراحة الروبوتية وهؤلاء من ضمن أشهر خمسة أطباء ليبيين بأمريكا..وهناك الكثير غيرهم وفي كافة التخصصات الذين لديهم حضور عالمي متميز ولكن اقتصرنا على الأطباء نتيجة لحاجة قطاع الصحة إلى مقترحاتهم وقدراتهم لتطوير هذا القطاع الذي يكتسي أهمية خاصة لما له من علاقة بصحة المواطن والمجتمع بكامله..الوطن عندما يسعى لتأهيل أبنائه وتمكينهم من الدراسة بأرقى الجامعات العالمية فإن الهدف من ذلك هو أن يعودوا إليه بعد انتهاء دراستهم وتوظيف أفكارهم وابحاثهم في الارتقاء بالوطن في كافة المجالات واعتقد إن ذلك يأتي من الآمال التي يعلقها الوطن على هؤلاء وإحساسهم هم بالجميل والرغبة في الوفاء لشعبهم وتحقيق طموحاته في التقدم والرقي .إذن هناك دور مطلوب من كل الخبرات الليبية بالخارج لتأكيد ولائهم للوطن وانتمائهم العميق إليه .. رغم كل الصعوبات التي تعترض مسار هذا الدور المطلوب منهم والتي يمكن الإشارة إلى بعضها ليكون طرح هذا الموضوع منطقيا وملما بكل المعطيات المؤثرة فيه ..* عدم حصولهم على رواتب تناسب مؤهلاتهم وخبرتهم في مجال تخصصهم وانعدام الحوافز المادية والمعنوية. * إدارة غير منضبطة وتدار بأساليب تقليدية مما ينتج عنها تعامل يخلو من العدل والإنصاف أثناء التعامل مع هذه الخبرات في اوطانها .* قد لا تتوفر الظروف المناسبة للقيام بالأبحاث وإجراء الدراسات المتعلقة ،جال تخصصاتهم .* عدم توفر الإمكانيات المادية والأجهزة والتقنيات التي توجد بدول المهجر ولا تتوفر بالوطن .ولكن رغم كل ذلك يبقى الشعور الوطني وأحاسيس الانتماء للوطن هو من يحرك هؤلاء للشعور ،سؤولياتهم تجاه أهلهم ووطنهم والعمل على تطوير مؤسسات الدولة ،ا يتناسب مع روح العصر وإمكانياته .إن هناك الكثير من الخبرات الليبية المقيمة بالخارج أثبتت وجودها العالمي في جوانب مختلفة من التخصصات العلمية والتقنية والبحوث العلمية فهم مدعوون الآن أكثر من أي وقت مضى لتخصيص جزء من جهدهم ووقتهم لمعالجة المشاكل التي تواجه شعبهم الذي كان السند لهم والداعم لخطواتهم ومواكب لنجاحهم ..وأعتقد أن الوقت قد حان لتبرهن هذه الخبرات عن وفائها لوطن حبوا على أديمه وظللتهم سماؤه وتنفسوا عبير هوائه، وكان مرتع صباهم وفضاء ذكرياتهم ..فهل ينسوه في مرحلة حياتهم الآن وقد حان للوطن أن يجني ثمار تضحياته من اجلهم؟!
■ عبدالله مسعود ارحومة